بمثل هذا الأمر محركا نحو إيجاد الصلاة ، إذ إنّ العلم بهذا الأمر سوف يكون كاشفا عن وجود معروض هذا الأمر في الخارج ، وعليه يكون العلم بهذا الأمر كعدم العلم به ، لأنّ متعلّق ما علمه حاصل ، فتعلق العلم بالأمر الواقعي ، إنما هو تحصيل للحاصل.
ومن الواضح أنّ ما يكون محركا إنما هو العلم بالأمر الفعلي ، لا العلم بالأمر التقديري. والأمر إنما يكون فعليا بعد تحقق الموجود خارجا ، ولا أقل من أنه بعد أن يرى العالم معروضه موجودا في الخارج ، وإلّا فلا يكون الأمر فعليا ، وعليه ، لا يكون هذا الأمر محركا.
إذن فالصحيح هو صحة هذا البرهان.
٣ ـ البرهان الثالث : هو ما أشرنا إليه مرارا.
وحاصله : إنّ الأحكام الشرعية من الصفات الإضافية ، فتكون الإضافة حينئذ مقوّمة لها ، لا تنفك عنها في أي مرتبة ، وهذا يعني أنّ الإضافة ذاتيّة لمثل هذه الصفات ، حيث لا يعقل افتراضها في أيّ مرتبة منفكّة عن تلك الإضافة حتى مرتبة ذاتها ، وإلّا فلو أمكن انفكاكها عن الإضافة في مرتبة من المراتب لأمكن تعقّل حبّ بدون محبوب ، أو علم بلا معلوم ، وهو غير معقول.
وهذا يبرهن ، على أنّ المضاف إليه بالذات ، يجب أن يكون موجودا بنفس وجود هذه الصفة ، وثابتا في مرتبة ذاتها ، لا بوجود آخر مغاير وزائد عليها ، وإلّا لكانت هذه الإضافة عرضيّة لهذه الصفة ، ولما كانت ثابتة لها في مرتبة ذاتها وذاتياتها ، وهو خلف ما برهنّا عليه.
وبهذا يثبت أنّ المعلوم بالذات ، والمحبوب بالذات ، والمبغوض بالذات ، إنما هو موجود بنفس وجود العلم والبغض والحب ، أي : إنّ المحبوب بالذات هو نفس الحب والبغض.
وبهذا يتبرهن أنّ الأحكام تعرض على الوجود الذهني لا الخارجي.