ينصب إلّا على الصورة القائمة في الذّهن ، كما برهنّا عليه سابقا.
فالتعبير بالفناء ، وتوهم أنّ لدى المولى شيئين ، أحدهما الفاني ، والآخر المفنيّ فيه ، مجرد توهم ، وبالتالي هو مستحيل ، كما عرفت.
وإنّما معنى الفناء هو أنّ الصورة الذهنية الحاضرة لدى المولى ، تارة ينظر إليها بالنظر التصوري ، أي : بنظر الحمل الأولي. وأخرى ينظر إليها بالنظر التصديقي ، أي : بنظر الحمل الشائع الصناعي ، كما عرفت تفصيل ذلك سابقا أنّ مصبّ هذين النظرين هو هذه الصورة الذهنية الواحدة.
فإذا نظر إليها بالنظر التصديقي ، فمعنى ذلك ، أنّنا لاحظنا هذه الصورة الذهنية بحقيقتها ، وهي كونها صورة ذهنية فقط.
وإذا نظر إليها بالنظر التصوري ، فمعنى ذلك أننا لم نلحظ هذه الصورة بحقيقتها ، وإنما لاحظناها بما هي ماهية خارجية ، ولذا حكمنا على الصورة الذهنية للماء بهذا النظر ، بأنّه ، سائل بارد بالطبع ، كما تقدم تفصيله. فتكون الصورة الدهنية حينئذ مرآة وفانية في الخارج. فالفناء هو عبارة عن لحاظ الصورة الذهنية بالنظر التصوري ، لا بالنظر التصديقي ، هذا هو معنى حقيقة الفناء.
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ الأحكام ، وإن كانت متعلقة بالصور والعناوين الذهنية بما هي فانية في معنوناتها ، إلّا أنّه ليس معنى الفناء أنّه سريان الأحكام إلى المعنونات الخارجية ، كي يمتنع الاجتماع باعتبار أن الخارج حقيقة واحدة ، ولا يتبعّض ، بل معنى الفناء ، هو أنّ الأحكام ترى من خلال هذه العناوين الذهنية بالنظر التصوري عين الخارج ، ولا يعني كون هذه الأحكام أنّها ترى عين الخارج هكذا ، أنّها تعرض على الخارج ، وتتعلق به حقيقة ، لأنّه يوجد عندنا عنوانين ذهنيّين قد لوحظا فانيين في الخارج ، وحينئذ يكون عندنا شيئين مرئيّين في الخارج ، فإنّ عالم الذهن هو عالم التحليل ، فيحلّل الشيء الواحد إلى أشياء متعددة بعدد المفاهيم التي يراها