وبما أنّ الأحكام الشرعية تابعة للمصالح الفعلية والغالبة ، لا للمصالح الاقتضائية المغلوبة ، فيكون المترقب من المولى أن يجعل النّهي على نفس الكون في الحمّام ، لا على الصلاة فيه ، وهذا هو ما ذكرناه من كون ظاهر النّهي المولوي ناشئا عن مبادئ فعلية ، لا اقتضائية مغلوبة ومندكة ، والوجه في ذلك ، هو : إنّ المقتضي لجعل النّهي موجودا والمانع مفقودا ، هو إمّا وجود المقتضي باعتبار أنّ ملاك النّهي موجود فيها ، لو خلّي هذا الفعل ونفسه ، وإمّا فقدان المانع ، فلأنّ المانع المتصور في المقام هو أنّه إذا جعل نهي على طبق هذه المفسدة المغلوبة بأن نهى المولى عن الصلاة في الحمّام ، للزم من ذلك تضييع المصلحة الغالبة الموجودة في هذه الصلاة حسب الفرض.
إلّا أنّ الصحيح : أنّ هذا المحذور لا يلزم ، فيمكن أن يجعل المولى نهيا على هذه الصلاة مع عدم تضييع المصلحة الغالبة ، وذلك لأنّ الأمر بالصلاة تعلق بالجامع بين الصلاة في الحمّام وغيرها ، والنّهي يجعل حسب الفرض ، على خصوص الصلاة في الحمّام ، ويمكن للمكلف عدم تضييع المصلحة ، واجتناب المفسدة المغلوبة ، وذلك بالصلاة خارج الحمّام.
ولا شك أنّ تحصيل المصلحة مع اجتناب المفسدة المغلوبة ، أحسن عند المولى من تحصيل المصلحة مع المفسدة المغلوبة الناشئة من الصلاة في الحمّام ، فيجعل المولى نهيا عن الصلاة في الحمّام ، لتحصيل المصلحة ، مع اجتناب المفسدة المغلوبة.
وبهذا يرتفع الإشكال ، لأنّ مبادئ الأمر المتعلّق بطبيعي الصلاة ، فعليّة ، إلّا أنّ مبادئ النّهي المتعلق بالصلاة في الحمّام ، ليست فعلية ، لأنّها مغلوبة كما عرفت ، وإذا اختلفت المبادئ من هذه الجهة ، لا يبقى تضاد بين الحكمين ، فهذا تصرف في ظهور النّهي الثالث ، أعني : كونه ظاهرا في أنّه ناشئ من مبادئ فعلية ، وحمله على أنّه ناشئ من مبادئ اقتضائيّة مغلوبة ، وبهذا يرتفع الإشكال.