هذا تمام الكلام في القسم الأول ، وهو العبادة المكروهة ، والتي لها بدل.
وأمّا القسم الثاني ، وهو : العبادة المكروهة التي لا بدل لها ، «كصوم يوم عاشوراء» على القول بكراهته ، فهنا تمام متعلق الأمر هو متعلق النهي ، وهنا يكون الإشكال المذكور في القسم الأول أقوى ، حيث أنّ ما ذكرناه من الأجوبة في القسم الأول لا تأتي هنا.
وأمّا عدم تأتي الجواب الأول : فلأنّ المفروض أنّه لا بدل لصوم عاشوراء ليرشد المولى إليه.
وأمّا عدم تأتي الجواب الثاني : فلأنّه يستحيل حمل النّهي على أنّه متعلق بالخصوصيّة ، لأنّ ذات هذا الفرد من الصوم الذي هو متعلق للأمر ، ملازم مع تلك الخصوصية ، فلو تعلّق النهي بتلك الخصوصية للزم التكليف بما لا يطاق.
وأمّا تأتي الجواب الثالث ، وهو : رفع اليد عن ظهور النهي في كونه ناشئا من مبادئ فعلية ، فلأنّ عدم ملاك النّهي إن فرض كونه غالبا ، لزم أن تكون مبغوضية صوم عاشوراء أشدّ من محبوبيّته ، فإذا قدم الغالب يكون الصوم مبغوضا بالفعل ، ومعه لا يمكن التقرب به ليقع صحيحا. وإن فرض أنّ ملاك النّهي كان مغلوبا ، فحينئذ لا يستتبع نهيا ، ولا يقاس بما قيل في القسم الأول ، لأنّه إن استتبع نهيا في المقام ، لزم من ذلك تضييع الملاك الغالب ، لأنّ كليهما في مصب واحد ، بخلاف القسم السابق كما عرفت ، ومن هنا كان الإشكال في هذا القسم أقوى.
ثم إنّ المحقق الخراساني «قده» (١) تصدى لدفع هذا الإشكال بما حاصله : إنّنا نسلّم كون الكراهة متعلقة بصوم عاشوراء ، إلّا أنّ النّهي عن هذا الصوم ، لم ينشأ عن مبغوضية هذا الصوم ، ليقع باطلا ، بل نشأ عن
__________________
(١) كفاية الأصول ـ الخراساني : ج ١ ـ ص ٢٥٧ ـ ٢٥٩.