وبهذا يثبت أنّ كلا هذين التقريبين غير تام ، فالصحيح هو إنّ النّهي عن المسبّب أمر معقول.
وأمّا الكلام في المقام الثاني ، وهو اقتضاء النهي عن المسبّب للفساد بعد تعقّل تعلّقه به :
ففي هذا المقام يذكر وجهان للاقتضاء :
١ ـ الوجه الأول ، هو : إنّ النّهي عن المسبب يكشف عن مبغوضية الشارع له ، وكونه ذا مفسدة ، ومع هذا الفرض فمن الواضح أنّ المولى لا يمكنه أن يمضيه ، وهذا معنى البطلان.
وبهذا يثبت أنّ هناك تهافتا بين إمضاء السبب والنّهي عن المسبب لذلك السبب.
أو فقل : إنّ النّهي عن المسبب يكشف عن مبغوضيته شرعا ، سواء أكان المنهي عنه خصوص المسبب الشرعي ، أو الجامع بينه وبين المسبّب العقلائي ، فإنّ مبغوضية الجامع تسري إلى الأفراد أيضا باعتبار انحلاليتها. فإذا كان المسبب الشرعي مبغوضا للشارع ، فلا بدّ وأن لا يفعله بنفسه ، بأن لا يجعل السببية كي لا يثبت المسبب عند ثبوت السبب ، فالنّهي عن المسبب يكشف عن عدم جعل السببية ، وهو معنى البطلان.
إلّا أنّ هذا الوجه غير تام : وذلك لعدم التهافت بين إمضاء السبب والنّهي عن المسبب. والوجه في ذلك هو إنّنا لو لم نلتفت إلّا إلى المسبب الشرعي ، ولاحظنا قوله تعالى : (أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ) ، فهذا يرجع إلى إنشاء إمضاء للبيع على نحو القضية الحقيقية. وهذا الجعل ثابت في نفسه ، سواء وجد موضوعه وهو البيع خارجا ، أو لم يوجد. وهناك مجعول تابع في فعليته إلى فعلية وجود موضوعه ، وهو البيع الخارجي. وعليه : فعندنا جعل ومجعول ، وقد يفرض وجود مصلحة في نفس هذا الجعل على نحو القضية الحقيقية ، وإن كان هذا الجعل شاملا على نحو القضية الحقيقية لمجعول