ثم إنّ المحقق العراقي «قده» (١) قد وافق المشهور على انّ ضابط دلالة الجملة على المفهوم ، هو تماميّة هذين الركنين دون أن يناقش في ذلك ، إلّا انّه قال ، إنّ الركن الأول ، وإن كان دخيلا في استفادة المفهوم من الجملة ، لكن هذا الركن محل وفاق بين العلماء حتى في مثل الجملة الوصفية ، كما ستعرف ، وإنّما النزاع وقع بينهم ، في الركن الثاني ، وأنّ المعلّق على الشرط ، أو الوصف ونحوهما ، هل هو نوع الحكم ، ليثبت المفهوم ، أم انّه شخص الحكم كي لا يثبت ، ولذا حصر بحثه في الركن الثاني ، واستدل على ما ذكره «قده» من كون الركن الأول محل وفاق بين العلماء ، بأنّه لا إشكال عندهم ـ فيما إذا ورد مطلق ، «كأعتق رقبة» ، ثم ورد مقيد ، «كأعتق رقبة مؤمنة» ـ في حمل المطلق على المقيّد ، فيما إذا علم انّ الحكم المجعول في مؤمنة» ـ في حمل المطلق على المقيّد ، فيما إذا علم انّ الحكم المجعول في كلا الدليلين واحد ، فيحكم بوجوب عتق خصوص الرقبة المؤمنة ، وهذا يدل على انّهم متفقون على الركن الأول ، لأنّهم لو لم يروا بأنّ الوصف مثلا علة تامة منحصرة للحكم ، لما حملوا المطلق على المقيد ، وذلك لأنّه بناء على ذلك ، يحتمل أن يكون هناك وصف غير الإيمان يوجب إيجاب العتق ، ومعه لا يصح حمل المطلق على المقيّد والحكم بوجوب عتق خصوص المؤمنة.
وعليه فحملهم المطلق على المقيد ، يدل على اتفاقهم ، بأنّ الوصف أو الشرط ونحوهما علّة تامة منحصرة بالنسبة للجزاء ، ولأجل ذلك ، حصر بحثه في الركن الثاني ، وذكر انّه متى ما أثبتنا انّ المعلّق على الشرط ، هو نوع الحكم ، فيثبت المفهوم ، وأمّا إذا لم نثبت ذلك ، فلا مفهوم.
وإن شئت قلت : إنّ المحقق العراقي «قده» ذكر ، بأنّ نزاع الأصحاب في بحث المفاهيم ، إنّما وقع في الركن الثاني من الأركان الأربعة المتقدمة ، فيكون قد جعل ضابط استفادة المفهوم ، هو كون المعلّق في الجزاء هو سنخ الحكم ، بينما هم متفقون على الركن الأول.
__________________
(١) مقالات الأصول ـ ج ١ ـ العراقي ص ١٣٨ ـ ١٣٩.