جعل الأمر الوارد في مورده إرشادا إلى ذلك ، وهذا بخلاف الأمر بالاحتياط ، إذ العقل بما انه لا يستقل بلزوم الاحتياط ، فلا مانع من ان يأمر به المولى مولويا حرصا على ادراك الواقع.
ويتوجه عليه : انه قد مر في أول هذا الجزء (١) ما في هذه الكلمات ، وعرفت ان وجه كون الأمر بالإطاعة ارشاديا ارتباط الموضوع بنفسه بالمولى ، وان كلما يترقب من الآثار للحكم المولوي ، من الثواب على الموافقة والعقاب على المخالفة ، والتقرب بإتيان المأمور به إلى الله تعالى ، تكون مترتبة على الموضوع ، فلا يترتب على الأمر بالإطاعة اثر فيكون لغوا ، وهذا البرهان في بادي النظر جار في المقام ، فلا يكون امره مولويا.
نعم يمكن تصوير كونه مولويا بالتقريب الذي أفاده المحقق النائيني (٢) في آخر كلامه ، قال : انه يمكن ان لا يكون الأمر بالاحتياط ناشئا عن مصلحة ادراك الواقع ، بل يكون ناشئا عن مصلحة في نفس الاحتياط كحصول قوة للنفس باعثة على ترك المعاصي وعلى الطاعات وحصول التقوى للانسان ، وإلى هذا المعنى اشار (ع) بقوله من ترك ما اشتبه عليه من الاثم فهو لما استبان له اترك ، فيكون الأمر بالاحتياط بهذا الملاك ، وهو ملاك واقع في سلسلة علل الأحكام فيكون الأمر الناشئ عنه مولويا.
ثم ان الشيخ الأعظم بعد اختياره عدم إمكان الاحتياط في العبادات
__________________
(١) راجع المقام الرابع (الأمر بالإطاعة لا يكون مولويا) من هذا المجلد ص ٢٦ ـ ٢٧.
(٢) دراسات في علم الأصول ج ٣ ص ٢٩٩.