ولذلك قابلها بقوله : (وُجُوهٌ [يَوْمَئِذٍ مُسْفِرَةٌ] ضاحِكَةٌ مُسْتَبْشِرَةٌ)(١) وقوله : (ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ)(٢). كرّر ذلك ، لأنّ البسر أخصّ لدلالته على شدّة الكراهة. وأصل ذلك كلّه أنّ البسر استعجال الشيء قبل حينه. يقال : بسر الرجل حاجته أي طلبها قبل أوانها ، فمعنى عبس وبسر : أظهر العبوس (٣) قبل وقته. وقيل لما لم يدرك من البلح : بسر ، لذلك (٤).
فإن قيل : قوله : (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ) ليس يفعلون ذلك قبل الوقت. وقد قلت : إنّ ذلك يكون قبل وقته. قيل : إشارة إلى حالهم قبل الإنتهاء بهم إلى النار. فخصّ لفظ البسر تنبيها أنّ ذلك مع ما ينالهم من بعد يجري مجرى التكلّف (٥) ، ومجرى ما يفعل قبل وقته. ويؤيّد هذا قوله تعالى : (تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ)(٦). وفي الحديث : «كانت تلقاني مرة بالبشر ومرة بالبسر» (٧) ، البسر كما تقدّم : القطوب. وفيه : «كان إذا نهض في سفرته قال : اللهمّ بك ابتسرت ، وإليك توجّهت» (٨) ابتسرت : بدأت سفري ، وكلّ ما أخذته غضّا فقد بسرته.
والبسر أيضا : انتباذ التّمر مع البسر ، فيلقى على التمر. والبسر : تقاضي الدّين قبل أجله. وعصر الدّمل قبل تقيّحه ، وهو من الاستعجال كما تقدّم. والبسر أيضا : ضرب الفحل للناقة على غير ضبعة (٩). ومنه قول الحسن للوليد (١٠) : «لا تبسر» (١١) أي لا تحمل
__________________
(١) ٣٩ / عبس : ٨٠.
(٢) ٢٢ / المدثر : ٧٤.
(٣) وفي الأصل : العبوسة.
(٤) في الأصل : الموت ، والمعنى يقتضي ما ذكرنا.
(٥) الكلام منقول من المفردات : ٤٦ ، من غير إشارة.
(٦) ٢٥ / القيامة : ٧٥.
(٧) هو حديث سعد حين أسلم وراغمته أمه (النهاية : ١ / ١٢٦).
(٨) النهاية : ١ / ١٢٦.
(٩) الضّبع والضبعة : شدة شهوة الفحل للناقة.
(١٠) في النهاية (١ / ١٢٦) أن الحسن قاله للوليد التيّاس.
(١١) هذا ضبط النهاية ، أما ضبط اللسان فبضم الأول وكسر الثالث.