يقال : فلان يبطن أمر فلان إذا علم سريرته ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلهٌ)(١) والحكماء (٢) : «مثل طالب معرفته مثل [من](٣) طرق (٤) الآفاق في طلب ما هو معه». والباطن : إشارة إلى معرفته الحقيقية (٥) ، وهي التي أشار إليها الصدّيق بقوله : «يا من غاية معرفته القصور عن معرفته».
وقيل : ظاهر بآياته باطن بذاته. وقيل : ظاهر بأنّه محيط بالأشياء مدرك لها ، باطن في (٦) أن يحاط به ، كما قال تعالى : (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ)(٧). وقد روي عن أمير المؤمنين عليّ رضي الله عنه ما يدلّ على تفسير اللفظتين حيث قال : «تجلّى لعباده من غير أن يروه (٨) ، وأراهم نفسه من غير أن يتجلّى لهم» ، وهذا كلام عظيم القدر لا يصدر إلا عن مثل أبي بكر وعليّ رضي الله عنهما. ولذلك قال بعض العلماء حين حكي عن أمير المؤمنين عليّ كرّم الله وجهه : وهذا كلام يحتاج إلى فهم ثاقب وعقل وافر ولعمري لقد صدق. وقيل : الظاهر بالأدلة والباطن الذي لا يدرك بالحواس.
وقوله : (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظاهِرَةً وَباطِنَةً)(٩) أراد بالظاهرة النبوة والباطنة العقل ، وقيل : أراد بالظاهرة النّصرة على الأعداء بالبأس من سلاح ورجال ، والباطنة النّصرة بالملائكة. وقيل : أراد بالظاهرة المحسوسات وبالباطنة المعقولات ، والآية شاملة لذلك ولغيره ، كما قال تعالى : (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللهِ لا تُحْصُوها)(١٠) ، وقرىء هنا : نعمة ونعم جمعا وإفرادا ، وظاهرة وباطنة يصلحان لوصفهما لما قرّرناه في غير هذا.
__________________
(١) ٨٤ / الزخرف : ٤٣.
(٢) يعني : قال بعض الحكماء.
(٣) إضافة المحقق.
(٤) وفي المفردات (٥٢) : طوّف ، وكلاهما جائز.
(٥) وفي الأصل : الحقيقة.
(٦) لعلها : من. والكلام شرح للآية السابقة «وفي الظاهر والباطن».
(٧) ١٠٣ / الأنعام : ٦.
(٨) وفي المفردات : رأوه ، ولعله أصوب.
(٩) ٢٠ / لقمان : ٣١.
(١٠) ٣٤ / إبراهيم : ١٤.