وقوله : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّما بَغْيُكُمْ عَلى أَنْفُسِكُمْ)(١) أي وبال بغيكم راجع عليكم. وقوله : (إِذا هُمْ يَبْغُونَ)(٢) أي يفسدون. وقوله : (غَيْرَ باغٍ وَلا عادٍ)(٣) أي غير متعدّ ما حدّ له. وقال ابن عرفة : (غَيْرَ باغٍ) غير طالبها وهو عند غيرها. (وَلا عادٍ) أي غير متعد ما حدّ له. الأزهريّ : (غَيْرَ باغٍ) أي غير ظالم بتحليل ما حرّم الله تعالى ، (وَلا عادٍ) أي غير متجاوز للقصد. مؤرّج السّدوسيّ (٤) : أي لا يبتغي فيأكله غير مضطر إليه ولا عاد أي لا يعدو شبعه. وقيل : غير باغ أي غير خارج على الإمام ، ولا عاد أي بقطع طريق ونحوه ، أي فهذا لا يرخّص له في ذلك.
وقال الحسن : غير متناول للذة ، ولا متجاوز سدّ الجوعة. وقال مجاهد / : غير باغ على إمام ولا عاد في المعصية (٥) طريق الحقّ. وقيل : (غَيْرَ باغٍ) أي غير طالب ما ليس له طلبه ، ولا متجاوز لما (٦) رسم له.
وقولهم : بغى بمعنى تكبّر ، راجع إلى ما قدّمته ، فإنه تجاوز منزلته إلى ما ليس له تجاوزه. وقد فرّقوا بين بغيتك وأبغيتك ، فقالوا : بغيتك أي بغيته لك ، ومنه قوله تعالى : (يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ)(٧). وأبغيتك : أعنتك على البغاء ، أي على طلبه.
وابتغى : مطاوع بغى ، فإذا قيل : ينبغي أن يكون هكذا فهو باعتبارين ، أحدهما ما يكون مسخّرا (٨) للفعل نحو : النار ينبغي أن تحرق الثوب. والثاني بمعنى الإستئهال نحو : فلان ينبغي أن يعطى لكرمه (٩) ، وعلى المعنيين جاء قوله تعالى : (وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَما
__________________
(١) ٢٣ / يونس : ١٠.
(٢) تابع الآية السابقة.
(٣) ١٧٣ / البقرة : ٢ ، وغيرها.
(٤) في الأصل : المؤرج الدوسي ، والصواب ما ذكرنا فوق. وهو من علماء العربية والأنساب من بني سدوس بن شيبان ومن أعيان أصحاب الخليل الفراهيدي. كان مقربا من المأمون ورافقه إلى خراسان ، وله عدة مؤلفات وشعر. ولد بالبصرة ومات فيها سنة ١٩٥ ه.
(٥) في الأصل : معصية ، ولعلها كما ذكرنا.
(٦) في الأصل : غير ما ، ولعلها كما ذكرنا.
(٧) ٤٧ / التوبة : ٩.
(٨) في الأصل : مستنجزا ، ولعلها كما ذكرنا.
(٩) في الأصل الكرامة ، والتصويب من المفردات : ٥٦.