يدعون أنه كذاب ، فإنّ الشاعر في القرآن عبارة عن الكذاب بالطّبع. وعلى ذلك قوله تعالى : (لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ) إلى قوله : (بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً)(١).
وجميع ما في القرآن من لفظ بل لا يخرج عن أحد هذين الوجهين ، وإن دقّ الكلام في بعضه.
قلت : ما ذكره (٢) من هذه الآيات الكريمة حسن ، غير أنّ النحاة نصّوا على أنها إذا كانت بعدها جملة كانت لمجرّد الإضراب عمّا قبلها ، والأخذ في الحديث الذي بعدها ثم إنّ هذا الإضراب إن كان في غير كلام الله تعالى جاز أن يكون إضراب إبطال ، وأن يكون إضراب ترك من غير إبطال ، بل الإنتقال من حديث إلى آخر. وإن كان في كلام الله تعالى كان انتقالا لا إبطالا. وقد قال بعضهم : إنّ قوله تعالى (أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُ)(٣) إنّه يجوز أن يكون للإضراب الإبطال بالنسبة إلى قولهم (افْتَراهُ) ، كأنّه قيل : لم يفتره بل هو الحقّ. وأنت قد عرفت العبارتين ، فقابل بينهما تجد عبارته خارجة عن نصوصهم.
ب ل د :
قوله تعالى : (لا أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ)(٤) ، يعني بها مكة شرّفها الله تعالى. والمعنى : لا أقسم بها (وَأَنْتَ حِلٌ) بها ، أي لا يعظّمونك حقّ تعظيمك ، ولا يحترمونك حقّ حرمتك ، فأنت كالحلال. وذلك تعظيم له من ربّه عزوجل وقيل : معناه وعده (٥) بفتحها عليه. وقد أتقنّا هذا في غير هذا الموضوع.
وقوله : (رَبِّ اجْعَلْ هذا بَلَداً آمِناً)(٦) يعني مكة. وقال في موضع آخر : (هذا
__________________
(١) ٣٩ و ٤٠ / الأنبياء : ٢١.
(٢) لعله يقصد الراغب ؛ فقد استخدم بعض هذه الآيات (ص ٥٩).
(٣) ٣ / السجدة : ٣٢.
(٤) ١ / البلد : ٩٠.
(٥) وفي س : وعد.
(٦) ١٢٦ / البقرة : ٢.