وقولنا (في المصادر) (١) تحذّرنا في الأسماء فإنه يكون يكثر فيها ذلك ، نحو : التّمثال والتّجفاف والتّمساح.
قال الهرويّ : يقال : بان لك وأبان واستبان وبيّن وتبيّن بمعنى واحد. قلت : كلّها يجوز أن تكون قاصرة ومتعدّية إلا بان فإنه قاصر. وقوله تعالى : (وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ)(٢) من رفع سبيل جعله قاصرا ، ومن نصبه جعله متعديا. وقال تعالى : (فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ)(٣) ، وقوله : (وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنا بِهِمْ)(٤) فهذا قاصر ، ويقال : تبيّنت الحقّ واستبنته أي استوضحته فاتّضح.
وقوله : (هذا بَيانٌ لِلنَّاسِ)(٥) أي فصل ذو بيان. والبين : لفظ مشترك بين المصدر والظرف. ويقال : بان زيد بينا ، وجلست بين القوم. وقوله تعالى : (هذا فِراقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ)(٦) ، قال الهرويّ : أراد بيننا ، وإنما قال : بيني وبينك توكيدا ، كما يقال : أخزى الله الكاذب منّي ومنك ، يريد منّا.
قلت : يعني في أصل التركيب لو قيل كذا لأفاد ، وفيه نظر لأنه يفيد المعنى المقصود من قولك مثلا : هذا فراق بيني وبين زيد. قولك : هذا فراق بيننا لأنّ الأول أخصّ من الثاني ، وأخصّ في المعنى بخلاف الثاني ، فإنّه يحتمل احتمالا ظاهرا. وقد حقّقناه في «التفسير» و «الدرّ المصون» ، فلما أضافه للياء تعيّن تكريره بالعطف لأنّ بين لا تضاف إلا إلى متعد لفظا أو تقديرا نحو : بين الزيدين أو الزيدين.
وقوله تعالى : (عَوانٌ بَيْنَ ذلِكَ)(٧) لأنّ ذلك إشارة إلى الفارض والبكر (٨). ولذلك
__________________
(١) ساقطتان من ح ، ويقصد بذلك المصادر المكسورة التاء في أولها.
(٢) ٥٥ / الأنعام : ٦. أي لتستبين أنت يا محمد.
(٣) ١١٤ / التوبة : ٩.
(٤) ٤٥ / إبراهيم : ١٤.
(٥) ١٣٨ / آل عمران : ٣.
(٦) ٧٨ / الكهف : ١٨.
(٧) ٦٨ / البقرة : ٢.
(٨) أي لا مسنّة ولا فتية.