واستمرت في الخسران ، والمراد جملته. وإنّما خصّ اليدين بالذكر لأنهما محلّ المزاولة. قال تعالى : (ذلِكَ بِما قَدَّمَتْ يَداكَ)(١) وقد قدّمت رجلاه ولسانه.
ت ب ت :
قوله تعالى : (أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ)(٢). التابوت هذه الآلة المعروفة تنحت من خشب وغيره. وأصله لما يجعل فيه الميّت. وقد يجعل فيه غيره. وقد كان رضاض الألواح (٣) التي أنزلها (٤) ربّنا على موسى في قصّة مذكورة. وقيل : هو كناية عن القلب والسكينة ، عبارة عن العلم والطّمأنينة ، ويرشّحه تسميتهم القلب سفط العلم ، وبيته بيت الحكمة وتابوتها وصندوقها. ولهذا يقال : اجعل سرّك في وعاء غير سرب (٥). وعلى ذلك قال عمر في حقّ ابن مسعود : «كنيف ملىء علما» (٦) ، وهل هو من التّوب؟ وهو الرجوع لأنّه يرجع إليه صاحبه عند حاجة يأخذها منه ، فيكون وزنه فعلوت (٧) كملكوت ورهبوت من الملك والرّهبة ، أو لا اشتقاق له ووزنه فاعول ، حكم عليه بأصالة تاءيه كقاطوع ، خلاف مشهور بينّاه في «الدرّ المصون». وهل تقلب تاؤه في الوقف هاء وتكتب بهاء؟ المشهور لا.
وقد قرىء التابوه بالهاء وهي لغة الأنصار. ويحكى أنّهم لمّا كتبوا المصاحف في خلافة سيّدنا عثمان أراد زيد أن يكتبه على لغته بالهاء وأبى المهاجرون ذلك ، فبلغ عثمان فأمر أن يكتب بلغة قريش حسبما بيّنا ذلك في كتابنا المشار إليه.
__________________
(١) ١٠ / الحج : ٢٢.
(٢) ٢٤٨ / البقرة : ٢.
(٣) يعني تابوت بني إسرائيل (انظر معجم أعلام القرآن ـ مادة تابوت). رضاض الشيء : كساره وهو ما تكسر منه وقطعه.
(٤) وفي س : ذكرها الله تعالى وأنزلها.
(٥) مثل ذكره الزمخشري في المستقصى : ١ / ١٥٠. سرب : سائل.
(٦) النهاية : ٤ / ٢١٥ والكنيف تصغير تعظيم للكنف الذي هو الوعاء.
(٧) في الأصل : فعلونا ، وهو خطأ واضح.