فِيها سِراجاً وَقَمَراً مُنِيراً)(١). فأخبر أنّ الشمس بمنزلة السراج ، والقمر بمنزلة النور المقتبس منه. وعليه : (جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً)(٢) ، لأنّ الضياء أقوى من النور ، فهو أخصّ منه. وقد ذكرنا هذه النكتة عند قوله : (ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ)(٣) ولم يقل بضيائهم.
وقوله : (يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ) يحتمل القراءة بأن يقيموا ألفاظه من غير تحريف ولا لحن ، ويتدبّروا معانيه ، ويحتمل الاتّباع بالعلم والعمل ، والأولى حمله على جميع ذلك. إلّا أنّ من قوّم لفظه ولم يتّبعه في العلم والعمل ليس بتال وإن قرع دماغه. ومن تبعه في العلم والعمل تال وإن لم يتلفّظ به (٤) ، وفيه حديث ذكرناه في موضعه.
وفي الحديث : «لا وريت ولا تليت» (٥) أصله تلوت فقلبت الواو ياء لازدواج الكلام (٦) كقوله : «ارجعن مأزورات غير مأجورات» (٧) ، وقوله : «أيّتكنّ صاحبة الجمل الأزبّ تنبحها كلاب (٨) الحوءب» (٩).
يريد مأزورات ، والأزبّ [الكثير الشعر](١٠) وفلان يتلو على فلان ويقول عليه ، أي يكذب. والتّلاوة بالضمّ والتّليّة : البقيّة ممّا يتلى أي (يتتبّع. وأتليته) (١١) : أبقيت منه تلاوة.
__________________
(١) ٦١ / الفرقان : ٢٥.
(٢) ٥ / يونس : ١٠.
(٣) ١٧ / البقرة : ٢.
(٤) قراءة «تتلو» بالتاءين لابن مسعود وحمزة والكسائي. وقرئت بالباء «تبلو» (الغريبين : ١ / ٢٦١) ، وحاشية الكتاب رقم ١.
(٥) من حديث عذاب القبر. يقول ابن الأثير : هكذا يرويه المحدّثون ، والصواب «ولا ائتليت» ومعناه : لا قرأت (النهاية : ١ / ١٩٥). ويروى «ولا أتليت» (الغريبين : ١ / ٢٦١).
(٦) أي : ليزدوج الكلام مع دريت. وقال الأزهريّ : ويروى أتليت ، يدعو عليه أن لا تتلى إبله ، أي لا يكون لها أولاد تتلوها.
(٧) في الأصل : موزورات ، والتصحيح من المصباح واللسان والنهاية : ٥ / ١٧٩ ، أي آثمات. والحديث رواه ابن ماجة وأبو يعلى.
(٨) كذا في ح ، وفي س : الكلاب. الحوءب : منزل بين البصرة ومكة نزلته عائشة في وقعة الجمل. وفي التهذيب : موضع بئر نبحت كلابه مقبلها من البصرة.
(٩) قاله لنسائه. النهاية : ١ / ٤٥٦.
(١٠) إضافة المحقق للسياق.
(١١) في الأصل : يتبع ، وتليته لا يستقيم.