وقيل : كنى بها عن القلب كقول عنترة (١) : [من الكامل]
فشككت بالرّمح الطويل (٢) ثيابه |
|
ليس الكريم على القنا بمحرّم |
وهذا وإن كان أمرا له عليه الصلاة والسّلام في الصورة فهو أمر لنا في الحيقة ؛ فإنّ كلّ ما فسّر به الثياب هو طاهر منه عليه الصلاة والسّلام. ويرشّح كون ذلك كناية عن النفس أو القلب ، قوله تعالى : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)(٣) ، فالتطهير هنا من سائر الأدناس التي تتّصف بها عندهم. وقيل : تقصيرها لأنّ تقصيرها يبعدها ممّا ينجّسها. وعن ابن عباس : «لا تلبس ثيابك على فخر وكبر» (٤). وأنشد / (٥) : [من الطويل]
فإني بحمد الله لا ثوب غادر |
|
لبست ، ولا من خزية أتقنّع |
قوله : (وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنَّاسِ)(٦) ، قيل : مكانا يثوبون إليه كلّ وقت على ممرّ الأيام وتكرّر الأعوام ، لا يملّون منه. وقيل : مكانا يكسبون فيه الثواب. ولا شكّ أنّه موجود فيه الأمران. ومنه إنّ فلانا لمثابة ولمثابا ، أي تأتيه الناس لمعروفه ، ويرجعون إليه مرّة أخرى. فالمثابة والمثاب كالمقامة والمقام.
قوله : (ثَيِّباتٍ وَأَبْكاراً)(٧) ؛ الثيّبات جمع ثيّب ؛ قيل : سميت بذلك لأنّها توطأ وطأ بعد وطء ، أي يراجع وطؤها. وقيل : لأنّها ثابت عن الزوج أي رجعت عنه (٨). وفي الحديث : «الثّيّب أحقّ بنفسها» (٩). وأصل الثّيّب ثيوب (١٠) بزنة فيعل ، فاجتمعت الياء والواو
__________________
(١) البيت من معلقة عنترة (شرح القصائد التسع : ٢ / ٥٠٩) ، والديوان : ١٥٠.
(٢) ورواية الديوان : الأصمّ.
(٣) ٣٣ / الأحزاب : ٣٣.
(٤) ورواية اللسان : «لا تلبس ثيابك على معصية ولا على فجور كفر» (مادة ثوب).
(٥) البيت من شواهد اللسان ـ مادة ثوب. والغريبين : ١ / ٣٠٤. والبيت لغيلان بن سلمة الثقفي.
(٦) ١٢٥ / البقرة : ٢.
(٧) ٥ / التحريم : ٦٦.
(٨) فالثيب من ليس ببكر ، ويقع على الذكر والأنثى. وقد يطلق على المرأة البالغة وإن كانت بكرا مجازا واتساعا (النهاية : ١ / ٢٣١).
(٩) صحيح مسلم ، النكاح : ٦٧ ، وتتمته فيه : «... من وليّها».
(١٠) يعني أن أصلها واوي.