وفي الحديث : «انطلق جفاء من الناس» (١) يريد سرعانهم (٢). ويقال : جفأ القدر وأجفأها : قلبها. وفي الحديث : «فجفؤوا القدور» (٣) ويروى فأجفؤوها. وبعضهم جعل المادة من ذوات الواو من جفا يجفو جفوة إذا هجر ونأى. ومنه : جفا السّرج عن ظهر الدابة (٤). يقال : جفت القدر تجفو أي ألقت زبدها بخوانها جفاء.
والأصل : جفاو فقلبت الواو همزة على حدّ قلبها في كساء وبابه ، والأول أشهر.
ج ف ن :
قال تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ)(٥).
الجفان : جمع جفنة. والجفنة : الوعاء المعروف ، خصّت بوعاء الطعام. ولتعارف العرب بمدحها ومدح من يطعم فيها خصّها تعالى بالذّكر في قوله تعالى : (وَجِفانٍ كَالْجَوابِ) جريا على ما يألفونه ويتمدّحون به. ومنه قول حسان (٦) : [من الطويل]
لنا الجفنات الغرّ يلمعن في الضّحى |
|
وأسيافنا من نجدة تقطر الدّما |
ويقولون للسيد : جفنة ؛ يمدحونه بذلك لأنه يطعم الناس فيها. وفي الحديث : «وأنت الجفنة الغرّاء» (٧) الغراء : البيضاء من الشحم (٨). وقال الشاعر (٩) : [من البسيط]
__________________
(١) من حديث البراء (النهاية : ١ / ٢٧٧).
(٢) يقول ابن الأثير : هكذا جاء في كتاب الهروي. والذي قرأناه في كتاب البخاري ومسلم «انطلق أخفّاء من الناس» جمع خفيف. وفي كتاب الترمذي «سرعان الناس».
(٣) حديث خيبر (النهاية : ١ / ٢٧٧) ، أي فرّغوها وقلبوها.
(٤) رفعه عنه.
(٥) ١٣ / سبأ : ٣٤. والمعنى : قصاع كبار كالحياض العظام.
(٦) ديوان حسان : ١ / ٣٥. والعجز فيه :
وأسيافنا يقطران من نجدة دما
(٧) النهاية : ١ / ٢٨٠. كانت العرب تدعو السيد المطعام جفنة لأنه يضعها ويطعم الناس فيها فسمي باسمها.
(٨) كناية عن امتلائها بالشحم والدهن.
(٩) أنشده الهروي لشاعر يرثي ، وهو مذكور في حاشية النهاية : ١ / ٢٨٠. وسماه المرزباني (معجم الشعراء : ٥٩) عمرو بن عمار المعروف بأبي قردودة الطائي.