يعني غصنا (١) فكسرته وقشرته. وقولهم : حسرت الدابة أنضيتها بالتعب حتى كأنّك جرّدتها من يدها وقواها.
وقوله : (يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَهُوَ حَسِيرٌ)(٢) أي كليل تعبان ، وهو مجاز واستعارة من الحيوان للحاسّة ، ثم يجوز أن يكون بمعنى حاسر ومحسور ، بحسب المعنيين المتقدمين.
وقوله : (وَلا يَسْتَحْسِرُونَ)(٣) أي لا يكلّون ولا ينقطعون عن العبادة ، ولذلك عقبه بقوله : (يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ لا يَفْتُرُونَ)(٤) ، يقال : حسر واستحسر بمعنى إذا أعيا. وقيل : معناه لا يملّون. وفي الحديث : «ادعوا الله ولا تستحسروا (٥) أي لا تملّوا ، وهو عندي راجع إلى معنى الانقطاع والاعياء.
وقال الراغب (٦) : وقوله تعالى في وصف الملائكة : «ولا يستحسرون» قلت : لأن في استفعل دلالة الطلب حقيقة أو مجازا ، فنفى ذلك عنهم ، ولو نفى عنهم مجرّد الفعل لم يكن فيه هذه المبالغة ، فإنّ قولك : زيد لا يستعطي أبلغ من قولك : لا يعطى (٧) أي يتناول ؛ فإنه لا يلزم من نفي التّناول عنه أن لا يكون قد سأله ، والحسرة من ذلك وهو أنّ الحسرة : الغمّ على ما فات والندم كأنّه انحسر عنه الجهل الذي حمله على ما ارتكبه أو انحسر عنه (٨) قواه من فرط الغمّ أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه.
وقيل : الحسرة : شدة الندم / حتى يحسر النادم كما يحسر الذي تقدم به دابّته ، أي تنقطع عنه في السفر البعيد. وقوله تعالى : (يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ)(٩) معناه : يا حسرة هذا
__________________
(١) وفي ح : حصنا.
(٢) ٤ / الملك : ٦٧.
(٣) ١٩ / الأنبياء : ٢١.
(٤) الآية بعدها.
(٥) النهاية : ١ / ٣٨٤.
(٦) المفردات : ١١٨.
(٧) وفي الأصل : لا يعطوا ، ولعلها كما ذكرنا.
(٨) ساقطة من ح.
(٩) ٣٠ / يس : ٣٦.