وقوله : (وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ)(١) كناية عن الجنون (٢). والمجنون محتضر لأنّ الجنّ تحضره. والمحتضر : الميت والمشارف للموت لأنّ ملائكة القبض تحضره لقوله : (تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ)(٣). وقيل : إشارة إلى قوله : (وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ)(٤) وقوله : (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ)(٥) أي كلّ نصيب من الماء الذي قسمه الله تعالى بين ناقة ثمود وبينهم يحضره من هو في نوبته ، كقوله : (لَها شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ)(٦) في قصة مذكورة (٧).
وقوله : (ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً)(٨) أي شاهدا معاينا حاضرا غير غائب. والمراد آثاره. وقيل : إنّ الأعمال تتجسّد وتصير أجراما فتوضع في كفّة الميزان كالنّقود. وقوله : (وَإِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ)(٩) أي وجدوا في وقتها فاجبروا خواطرهم ببعض شيء.
قيل : وأصل ذلك من الحضر ضدّ البدو. والحضارة والحضارة : السكون بالحضر ، كالبدواة والبداوة ؛ في السكون في البدو ، ثم جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره.
والحضر (١٠) خصّ بما يحضر به الفرس إذا أريد جريه ؛ يقال : أحضر الفرس. واستحضرته : طلبت ما عنده من الحضر. وفي الحديث : «فانطلقت (١١) محضرا» أي مسرعا. ويقال : أحضر : إذا عدا ، واستحضر دابّته : حملها على العدو.
وحاضرته محاضرة وحضارا إذا حاججته ، من الحضور ؛ كأنّ كلّ واحد يحضر حجّته ، أو من الحضر نحو جاريته. والحضيرة : الجماعة من الناس يحضر بهم الغزو ، وعبّر به عن
__________________
(١) ٩٨ / المؤمنون : ٢٣.
(٢) يقصد : أن تحضرني الجن.
(٣) ٦١ / الأنعام : ٦.
(٤) ١٦ / ق : ٥.
(٥) ٢٨ / القمر : ٥٤.
(٦) ١٥٥ / الشعراء : ٢٦.
(٧) انظرها في كتابنا «معجم أعلام القرآن» مادة : ناقة ـ صالح ـ ثمود.
(٨) ٣٠ / آل عمران : ٣.
(٩) ٨ / النساء : ٤.
(١٠) الحضر : العدو (النهاية : ١ / ٣٩٨) وارتفاع الفرس في عدوه (اللسان ـ مادة حضر).
(١١) في الأصل : فإن طلعت ، والتصويب من النهاية : ١ / ٣٩٨ ، وهو من حديث كعب بن عجزة.