ذلك. وقيل : أصله المطابقة والموافقة ، كمطابقة رجل الباب في حقّه لدورانه فيه على استقامة ، ويقال (١) على أوجه :
أحدها : لموجد الشيء بحسب ما تقتضيه الحكمة ، ومنه قيل في الباري تعالى : الله حقّ ، نحو قولنا : الموت / حقّ ، والبعث حقّ ، وفي معناه : (هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَالْقَمَرَ نُوراً) إلى قوله : (ما خَلَقَ اللهُ ذلِكَ إِلَّا بِالْحَقِ)(٢).
وللاعتقاد (٣) في الشيء المطابق لما عليه ذلك الشيء في نفسه ، كقولنا : اعتقاد فلان في الموت والبعث والنار حقّ. قال تعالى : (فَهَدَى اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ)(٤). وللفعل والقول الواقعين بحسب ما يجب على قدر ما يجب في الوقت الذي يجب.
قوله تعالى : (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْواءَهُمْ)(٥) ؛ يجوز أن يراد بالحقّ الباري تعالى ، وأن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.
وأحققت الشيء ، إمّا بمعنى أثبتّه ، وإمّا بمعنى حكمت بكونه حقّا ، ومنه قوله تعالى : (لِيُحِقَّ الْحَقَ)(٦) فهذا يحتمل الأمرين ، وإحقاقه تعالى على ضربين ؛ أحدهما بإظهار الأدلّة والآيات وفي معناه : (وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطاناً مُبِيناً)(٧). والثاني بإكمال الشريعة وبثّها ، وفي معناه : (وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ)(٨).
قوله : (الْحَاقَّةُ مَا الْحَاقَّةُ)(٩) فالحاقّة : اسم فاعل من حقّ يحقّ حقّا : أي ثبت ، وعبّر بها عن القيامة لثبوتها واستقرارها بالأدلّة الواضحة ، وقيل : لأنّها يحقّ فيها الجزاء. وقال
__________________
(١) يعني الحق.
(٢) ٥ / يونس : ١٠.
(٣) هنا ثانيا ؛ فقد ذكر المؤلف «أحدها» فوق ونسي الأرقام الأخرى.
(٤) ٢١٢ / البقرة : ٢.
(٥) ٧١ / المؤمنون : ٢٣.
(٦) ٨ / الأنفال : ٨.
(٧) ٩١ / النساء : ٤.
(٨) ٨ / الصف : ٦١.
(٩) الآيتين ١ و ٢ / الحاقة : ٦٩ ، إشارة إلى القيامة.