الفراء : لأنّ فيها حقائق الأمور. وقال غيره : لأنها تحقّ الكفار الذين حاقوا الأنبياء إنكارا ؛ يقال : حاققته فحققته : أي خاصمته فخصمته. وقيل : لأنها تحقّ كلّ إنسان بعمله من خير أو شرّ.
قوله : (حَقِيقٌ عَلى أَنْ لا أَقُولَ)(١) قرىء عليّ بتشديد الياء (٢) بمعنى : واجب عليّ ، وكذلك : (فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ)(٣) أي وجب. ومن قرأ «عليّ أن» فبمعنى أنا حقيق بالصّدق ، وفي ذلك كلام كثير أتقنته. والحقّ يجيء : الإلزام ، كقوله : (مِنَ الَّذِينَ اسْتَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْأَوْلَيانِ)(٤) أي لزمهم حقّ من حقوقهم بتلك اليمين الكاذبة ، وقال : وإذا اشترى رجل من رجل دارا ، فادّعاها آخر وأقام البيّنة استحقّها على المشتري ، قال : والاستحقاق والاستيجاب قريبان من السواء.
قوله : (وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ)(٥) أي واجب بطريق الوعد على سبيل التفضّل. وقد يراد بالحقّ أشياء فسّر بها بحسب السياق كما نبّهنا عليه أول هذا الموضوع ، من ذلك (وَتَكْتُمُونَ الْحَقَ)(٦) قيل : هو مراد محمّد عليه الصلاة والسّلام ، وذلك ما عزوه من نعته. وقوله : (بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْباطِلِ)(٧) قيل : الحقّ القرآن ، والباطل الكفر. وقوله : (ما نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِ)(٨) ؛ بالأمر المقتضى. ويوضّح ذلك : (وَلَوْ أَنْزَلْنا مَلَكاً لَقُضِيَ الْأَمْرُ)(٩).
وقوله : (وَجاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِ)(١٠) وقال الهرويّ : الحقّ ، الموت ؛ فعلى هذا يصير تقديره : وجاءت سكرة الموت بالموت. قلت : وفي قراءة أبي بكر : (وَجاءَتْ
__________________
(١) ١٠٥ / الأعراف : ٧.
(٢) هي قراءة نافع (معاني القرآن للفراء : ١ / ٣٨٦ ، مع الحاشية رقم ٤).
(٣) ١٦ / الإسراء : ١٧.
(٤) ١٠٧ / المائدة : ٥. الأوليان : الأقربان إلى الميت الوارثان له.
(٥) ٤٧ / الروم : ٣٠.
(٦) ٧١ / آل عمران : ٣.
(٧) ١٨ / الأنبياء : ٢١.
(٨) ٨ / الحجر : ١٥.
(٩) ٨ / الأنعام : ٦.
(١٠) ١٩ / ق : ٥٠.