الأنبياء تبعا لهم في ذلك. وقوله : (يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ)(١) يجوز أن يكون من الحكم أو من الحكمة المختّصة بالأنبياء. وقوله عليه الصلاة والسّلام : «إنّ الجنة للمحكّمين» (٢) قيل : هم المختصّون بالحكمة ، وقيل : هم قوم خيّروا بين ن يقتلوا مسلمين وبين أن يرتدّوا ، فاختاروا أن يقتلوا. وفي حديث آخر : «إنّ في الجنة كذا وكذا قصرا لا يسكنه إلا نبيّ أو صدّيق أو محكّم» (٣) يروى بكسر الكاف ، وهو المنصف من نفسه ، وبفتحها ، وهو من خيّر أن يقتل أو يرتدّ ، فاختار القتل كما تقدم.
وقوله : (وَآتَيْناهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا)(٤) ، (فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْماً)(٥). بمعنى حكمة ، نحو : نعم ونعمة. وقوله : (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)(٦) فالحكمة : النبوّة ، والموعظة : القرآن. وفي حديث النّخعيّ : «حكّم اليتيم كما تحكّم ولدك» (٧) قال أبو عبيد : أي امنعه من الفساد كما تمنع ولدك. وقال أبو سعيد الضرير : حكّمه في ماله إذا صلح ، قال : ولا يكون حكم ، أحكم لأنّهما ضدّان ؛ قال الأزهريّ : القول ما قال أبو عبيد ، والعرب تقول : حكمت وأحكمت (٨) ، بمعنى رددت ومنعت بمعنى ، فليس أحكم وحكم ضدّين (٩).
__________________
(١) ٤٤ / المائدة : ٥.
(٢) النهاية : ١ / ٤١٩. ويروى بكسر الكاف أي هم المنصفون من أنفسهم ، والأول أوجه.
(٣) النهاية : ١ / ٤٢٠. وفي الأصل : قصر.
(٤) ١٢ / مريم : ١٩.
(٥) ٢١ / الشعراء : ٢٦.
(٦) ١٢٥ / النحل : ١٦.
(٧) النهاية : ١ / ٤٢٠.
(٨) ذكر الجواليقي حكم وأحكم في الدابة وحسب (ما جاء على فعلت وأفعلت : ٣٥).
(٩) بمعنى أن الأزهري لم يوافق على كلام الضرير ، وانظر تفصيله في اللسان ـ مادة حكم.