من هذا ما حكي عن إسحاق بن عبد الله بن نوفل : الأبابيل مأخوذ من الإبل المؤبّلة ، وهي الأقاطيع. وعن ابن عباس ومجاهد : متتابعة بعضها في إثر بعض. وقيل : أبابيل : متفرقة تجيء من كلّ ناحية ؛ من هنا ومن هنا. قال ابن مسعود وابن زيد والأخفش : ومن مجيء (طَيْراً أَبابِيلَ) قوله :
ولعبت طير بهم أبابيل |
|
فصيّروا مثل كعصف مأكول (١) |
وقد وصف الأبابيل بكونه من الطير تارة في قول الأعشى : [من الطويل]
طريق وجبّار رواء أصوله |
|
عليه أبابيل من الطير تنعب (٢) |
وأضيف إليه أخرى في قول الآخر : [من الطويل]
تراهم إلى الدّاعي سراعا كأنهم |
|
أبابيل طير تحت دجن تخرّق |
وفي هذين دليل على أن هذه اللفظة خاصة (٣) بالطير. وقد جاء ما يشهد [بخلاف](٤) ذلك. قال الشاعر : [من البسيط]
كادت تهزّ من الأصوات راحلتي (٥) |
|
إذ سالت الأرض بالجرد الأبابيل |
أي بالخيل الجرد المتتابعة.
والإبل : اسم جمع لا واحد له من لفظه. مفرده : جمل أو ناقة. وقال الراغب (٦) : الإبل يقع على البعران الكثيرة. وتقييده بالكثرة غير مراد ، إذ اسم الجمع كالجمع في صدقه على ثلاثة فأكثر. وقوله تعالى : (أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ)(٧)؟ قيل : هي
__________________
(١) انظر ديوان رؤبة وملحقاته : ١٨٤ ، وينسب هذا الرجز أيضا إلى حميد الأرقط كما في سيبويه : ١ / ٤٠٨. وأراد الشاعر : مثل مثل عصف مأكول. وقد جاز التكرار لاختلاف اللفظين. انظر الخزانة : ٤ / ٢٧٠ بولاق. وفي الأصل : ولعت بهم طيرا. والتصويب من سيبويه.
(٢) من قصيدة رقمها : ٣٠ يهجوبها الحارث بن وعلة.
(٣) وفي س : ليست خاصة.
(٤) إضافة المحقق للمعنى.
(٥) وفي س : أدخلتي. وانظر القرطبي : ٢٠ / ١٩٧.
(٦) المفردات : ٨.
(٧) ١٧ / الغاشية : ٨٨.