أحدها : أن يريد غير ما يحسن إرادته فيفعله ، وهذا هو الخطأ التامّ المأخوذ به فاعله. ويقال منه : خطىء يخطأ خطأ وخطأة.
والثاني : أن يريد ما يحسن فعله ، ولكن يقع منه خلاف ما يريد. ويقال منه : أخطأ إخطاء فهو مخطىء ، وهذا مصيب في إرادته مخطىء في فعله ، وإياه عني بقوله عليه الصلاة والسّلام : «من اجتهد فأخطأ فله أجر» (١). وقوله : «رفع عن أمّتي الخطأ والنسيان» (٢).
والثالث : أن يريد ما لا يحسن فعله ويسبق منه فعله ، فهذا عكس ما قبله من أنه مصيب في فعله مخطىء في إرادته. فهذا مذموم بقصده غير محمود على فعله. وهذا المعنى هو الذي قصده من قال في شعره (٣) : [من الطويل]
أردت مساءتي فأجرت مسرّتي |
|
وقد يحسن الإنسان من حيث لا يدري |
وجملة الأمر أنّ من أراد شيئا واتفق منه غيره يقال : أخطأ ، وإن وقع منه كما أراد يقال : أصاب. وقد يقال لمن فعل فعلا لا يحسن أو أراده إرادة لا تجمل : إنه أخطأ. ولهذا يقال : أصاب الخطأ ، وأخطأ الصواب ، وأخطأ الخطأ (٤). وهذه اللفظة مشتركة متردّدة بين معان كما ترى. فيجب على من يتحرّى الحقائق أن يتأمّلها.
قوله تعالى : (وَأَحاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ)(٥). قيل : الخطيئة والسيّئة تتقاربان ، لكن الخطيئة أكثر ما تقال فيما لا يكون مقصودا إليه في نفسه ، بل يكون القصد سببا يولّد ذلك الفعل كمن رمى صيدا فأصاب إنسانا ، أو شرب مسكرا فجنى جناية في سكره. والسبب سببان ، سبب كشرب المسكر وما يتولّد من الخطأ عنه (٦). وسبب غير متجاف عنه (٧). قال تعالى : (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ)(٨).
__________________
(١) صحيح البخاري ، الاعتصام : ٢١. ومذكور في المفردات : ١٥١.
(٢) ابن ماجه ، باب الطلاق ، رقم ٦٠.
(٣) من شواهد المفردات : ١٥١.
(٤) وأصاب الصواب.
(٥) ٨١ / البقرة : ٢.
(٦) وهو أصلا محظور فعله.
(٧) ولا يكون محظورا كرمي الصيد.
(٨) ٥ / الأحزاب : ٣٣.