وقال آخرون : هذا إشارة إلى طباعهم الرديئة وأخلاقهم القبيحة. أي أنّ أخلاقهم أخلاق هذين الجنسين القبيحين لا يرى في الحيوان أخبث منهما. قال الراغب (١) : والأمران مرادان بالآية. وقد روي أن قوما ما مسخوا خلقة ، وكذا أيضا في الناس قوم إذا اعتبرت أخلاقهم وجدتها أخلاق القردة والخنازير ، وإن كانت صورهم صور الناس. فقلت : ولقد صدق عليّ : «إنه كان في عصر أمثل من عصرنا». ومما يشبه ذلك ما روي عن عائشة أنها لما أنشدت قول لبيد بن ربيعة (٢) : [من الكامل]
ذهب الذين يعاش في أكنافهم |
|
وبقيت في قوم (٣) كجلد الأجرب |
قالت : «يرحم الله لبيدا فكيف لو عاش إلى زماننا هذا؟» فكلّ من روى هذا الحديث يقول عقبه : يرحم الله فلانا فكيف؟.
خ ن س :
قوله تعالى : (فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ)(٤) جمع خانس وخانسة ، والمراد بها الكواكب لأنها تخنس بالنهار ، أي تغيب فلا ترى. وقال الفراء : هي الكواكب الخمسة : زحل ، والمشتري ، والمريخ ، وعطارد ، والزّهرة ، وكلّ كوكب درّيّ لأنها تخنس في مجراها أي ترجع.
والخنوس : التأخر ، ومنه : «فتخنس بهم النار» (٥) أي تجذبهم وتتأخر عنهم. يقال : خنسه وأخنسه فخنس أي أخّره فتأخّر. وأخنست عنه حقّه (٦) أي أخّرته عنه. وأنشد العلاء بن الحضرميّ (٧) رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٨) : [من الطويل]
__________________
(١) المفردات : ١٥٩.
(٢) الديوان : ١٥٣.
(٣) ورواية الديوان : خلف.
(٤) ١٥ / التكوير : ٨١.
(٥) النهاية : ٢ / ٨٣ ، وهو حديث كعب.
(٦) وفي الأصل : بحقه.
(٧) العلاء بن عبد الله الحضرمي (ت ٢١ ه) صحابي من رجال الفتوح. ولاه رسول الله صلىاللهعليهوسلم البحرين وجعل له جباية الصدقة وهو أول مسلم ركب البحر مجاهدا.
(٨) البيت من شواهد الهروي.