تابعة العقل ، ولا محيص من متابعته له (١) لزم مناقضة العقل لنفسه ايضا ، لأن العقل عند ما يحرز الحكم الشرعي يلزم العبد باطاعته ، ثم إذا رخص المولى بتركه رخص العقل بذلك تبعا له ، فيكون العقل حينئذ مرخصا بالترك ، وغير مرخص به ، وهو التناقض.
ومثل هذا يقال في المعلوم بالاجمال.
مثلا : إذا علمنا بوجود الخمر في احد اناءين ، وعلمنا بحرمة الخمر ، ثم رخصنا الشارع بشرب ما فيهما كان مرخصا في المخالفة العملية القطعية ، والعقل يتابعه وحينئذ تجيء مناقضة الشارع لنفسه ، ويلزم من ذلك مناقضة العقل لنفسه كما مر حرفا بحرف.
وبهذا يتضح أن العلم الاجمالي علة تامة بالنسبة لحرمة المخالفة العملية القطعية لأن الترخيص في جميع المحتملات ترخيص في المعصية القطعية ، والمناقضة حينئذ وجدانية بعد عدم تنزل الشارع عن حكمه.
المقام الثالث : في وجوب الموافقة العملية القطعية وعدمها ، وفيه قولان ، كما مر. وهل هو علة ، على تقدير منجزيته ، فيمتنع جعل الاحكام الظاهرية في مورده ، أو لا بل هو مقتض لها ، ولا مانع من الجعل إلا تعارض الاصول ، قولان :
إذا عرفت هذا فاعلم أن القائلين بحرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية اختلفوا في موجبها ، فقيل : إن العلم الاجمالي علة تامة في التنجز بالنسبة لكل منهما ، وقيل : إنه مقتض للتنجز بالنسبة لكل منهما ، وقيل : إنه
__________________
(١) لأن العقل يستقل بالارشاد إلى اطاعة المولى والقبول منه ، والمتابعة له من باب الارشاد إلى وجوب الشكر وإلى دفع الضرر ، المحتمل في كل مورد يتحقق فيه احتمال الضرر. والاطاعة من اجلى مظاهر الشكر ، والعقل كما يحكم بوجوب الاطاعة يحكم بوجوب احرازها لأن الاطاعة لا تجب إلا بعد الاشتغال اليقيني والاشتغال اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وهذا معنى ما قلناه من أن بعثه إلى الاطاعة عين بعثه وإلى احرازها ، لأنه لا أمان له بغير ذلك وهذا كله لا اشكال فيه في الجملة وانما الاشكال في أنه هل يحكم الشرع بكل ما حكم به العقل أو لا كما في باب الملازمات : كالضد ومقدمة الواجب واجتماع الامر والنهي وما يستقل العقل بقبحه وغير ذلك مما يستقل به العقل ، ولا يلزم من متابعة الشارع له فيه محذور عقلي كالدور.