شمولها لهما معا محال لما عرفته في آخر المقام الثاني ، من عليته التامة بالنسبة لحرمة المخالفة العملية القطعية ، وشمولها لواحد بعينه ترجيح بلا مرجح ولا ترجح ، وهو قبيح عقلا. وإرادة واحد لا بعينه غير ممكنة ، لتسالم على أدلتها أعمالها في المعين ، لكونه خلاف ظاهرها ، ولأنه لا يمكن تحققه خارجا ، فإن المفهوم المردود يمتنع وجوده خارجا ، لأنه بعد وجوده يكون معينا ، والمعين ليس مصداقا للمفهوم المردد بالضرورة ، بل هو يعانده ويضاده ، وإرادته مع المعين تستلزم استعمال اللفظ في أكثر من معنى بلا جامع (١).
وأما ما تختص به الأدلة المغياة بالعلم فأمران :
أولهما : أن العلم حاصل ، ودعوى اختصاصه بالتفصيلي ، أو انصرافه إليه ، ممنوعة.
ثانيهما : تناقض صدرها وذيلها ، فيكون المقام خارجا عنها ، لكونه من الشبهات المصداقية لها ، فإن ملاحظة كل واحد من أطراف الشبهة على انفراده تجعله مصداقا للصدر ، لكونه مشكوكا فيه ، وملاحظته مع الآخر تجعله معلوما ، فيكون مصداقا للذيل ، ويكون من نقض اليقين بيقين مثله ، والتحقيق أن المراد باليقين السابق ، الذي لا ينتقض إلا بيقين لا حق مماثل له ، هو اليقين الذي يكون اليقين نقيضا له ، وذلك يستدعي وحدة متعلقهما في جميع الجهات المشترطة في باب التناقض.
مثلا : إذا كان زيد حيا ، وشككنا في بقائه حيا بعد سنة ، استصحبنا حياته لعدم العلم بموته ، وهذا واضح ، ولكن لو علمنا بموته ، كان احتمال الحياة منتفيا بيقين الموت ، ولا يبقى حينئذ مجال لاستصحاب الحياة بوجه من الوجوه.
__________________
(١) لا يخفى أن وعاء المفهوم المردد ، هو الذهن لا غير ، فإن الاناء النجس المردد بين اناءين له صورة في الذهن ، ولا يعقل أن يكون له مصداق في الخارج لأن الخارجيات متعينة دائما بالضرورة ، وهي متقومة بحدودها الخارجية وما يكون كذلك لا يكون مرددا أبدا.