الملكية عند العرف ، كانت أمارة. ولكن لا ينبغي الريب في اماريتها لما ذكرناه من أن طريقة الناس وديدنهم على الاعتراف بملكية ذوي الأيدي ، وعلى عدم الاعتناء باحتمال كونه مغصوبا أو كونه تحت ايديهم بوجه آخر غير الملكية بل يعتبرون آخذ المال من ذي اليد بدون رضاه غاصبا وظالما له ، وبعد ثبوت التقرير ، تكون معتبرة عنده بالنحو الذي اعتبرت فيه عندهم ، ويظهر ذلك أيضا من صدر رواية حفص ، لأنه (ع) احتج عليه بما هو مرتكز عنده ، وعند سائر الناس ، فقال له! فيحل الشراء منه. ويظهر ذلك أيضا من بقية الروايات.
إن قلت : إن قوله (ع) في ذيل رواية حفص وإلا لما قام للمسلمين سوق ، ظاهر في أن الشارع اعتبر اليد تعبدا ، لأجل قيام سوق المسلمين ، فإن ظاهر الحصر والتعليل ، أنه إنما اعتبرها لذلك ، لا لطريقيتها.
قلت : هذه الفقرة ظاهرة في أنها تعليل لامضاء عمل العقلاء ولتقريرهم على ما هم عليه ، لأنه لو لم يقرهم لاختل نظام الناس ، ومنهم المسلمون ، وإنما خص المسلمين بالذكر من باب الاهتمام بهم. فالتعليل مسوق لبيان الحكمة في متابعة العقلاء ، وليس علة للتعبد بهذا الحكم ، ولو كانت علة منصوصة لوجب تسريتها إلى غير اليد من الأمور التي يتوقف عليه قيام سوق المسلمين ، وإن لم تثبت مشروعية ذلك الأمر ، بل ولو كان محرما ، لأنها على تقدير إرادة ذلك منها تكون حاكمة على الادلة الأولية ، نظير قاعدة نفي الضرر والحرج والاضطرار ، وذلك أمر لا يمكن الالتزام به ، ولا سيما إذا اريد بالسوق مطلق النظام.
الموضع الخامس : لا ريب أن اليد امارة على الملك بنظر العقلاء ، سواء كانت يد مسلم أو غير مسلم ، ولا ريب أن المسلمين كانوا وما زالوا يتعاملون مع غير المسلمين كما يتعاملون مع المسلمين ، فقد كانوا ولا يزالون يخرجون في تجاراتهم وبضائعهم إلى بلاد الشرك فيبيعون ما عندهم ، ويستوردون ما يحتاجه المسلمون مما هو عند غيرهم. ولا ريب في اتصال هذه السيرة وتقريرها وبذلك يتضح أن قوله (ع) وإلا لما قام للمسلمين سوق ، لا ينافي في امارية يد غير المسلم.