أخرى غير منظورة هي السبب في وجود الحادثة الثانية ، غير أنها اقترنت بالحادثة الأولى صدفة ، فإذا تكرّر الخبر أو الاقتران تعدّدت القرائن الاحتمالية ، وازداد احتمال القضية المتواترة أو التجريبية ، وتناقص احتمال نقيضها حتى يصبح قريباً من الصفر جدّاً ، فيزول تلقائياً لضآلته الشديدة» (١).
وهنا قد يقال : إنّ تناقص احتمال النقيض لا يجعله صفراً ، وهذا ما صرّح به السيد الصدر ، فكيف يصل الإنسان إلى اليقين مع وجود احتمال النقيض ولو بنحو الكسر الضئيل؟
وقد أجاب السيد الصدر عن ذلك بأنّ هناك مصادرة يفترضها الدليل الاستقرائي في مرحلته الثانية لا ترتبط بالواقع الموضوعي ، ولا تتحدّث عن حقيقة من حقائق العالم الخارجي ، وإنما ترتبط بالمعرفة البشرية نفسها ، ويمكن تلخيص المصادرة كما يلي :
«كلّما تجمع عدد كبير من القيم الاحتمالية في محور واحد فحصل هذا المحور نتيجة لذلك على قيمة احتمالية كبيرة ، فإنّ هذه القيمة الاحتمالية الكبيرة تتحوّل ضمن شروط معيّنة إلى يقين. فكأن المعرفة البشرية مصمَّمة بطريقة لا تتيح لها أن تحتفظ بالقيم الاحتمالية الصغيرة جدّاً ، فأي قيمة احتمالية صغيرة تفنى لحساب القيمة الاحتمالية الكبيرة المقابلة ، وهذا يعني : تحوّل هذه القيمة إلى يقين ، وليس فناء القيمة الاحتمالية الصغيرة نتيجة لتدخّل عوامل بالإمكان التغلّب عليها والتحرّر منها ، بل إنّ المصادرة تفترض أن فناء القيمة الصغيرة وتحوّل القيمة الاحتمالية الكبيرة إلى يقين يفرضه التحرك الطبيعي
__________________
(١) الحلقة الثالثة ، مصدر سابق ، ج ١ ، ص ١٩٩.