للمعرفة البشرية ، نتيجة لتراكم القيم الاحتمالية في محور واحد بحيث لا يمكن تفاديه والتحرّر منه ، كما لا يمكن التحرّر من أي درجة من الدرجات البديهية للتصديق المعطاة بصورة مباشرة ، إلّا في حالات الانحراف الفكري» (١).
ومنه يتضح وجه زوال ذلك الكسر الضئيل والانتقال إلى اليقين.
إلى هنا اتضح أنّ القضية المتواترة والتجريبية لا تستند إلى قضايا قبلية أولية كما يعتقد المنطق الأرسطي وإنّما هي قضايا غير أوّلية ، وقد برهن الأستاذ الشهيد على هذه الدعوى ببراهين عديدة نقتصر هنا على واحد منها هو :
«نجد أن حصول اليقين بالقضية المتواترة والتجريبية يرتبط بكل ما له دخل في تقوية القرائن الاحتمالية نفسها ، فكلّما كانت كلّ قرينة احتمالية أقوى وأوضح كان حصول اليقين من تجمع القرائن الاحتمالية أسرع. وعلى هذا الأساس نلاحظ أن مفردات التواتر إذا كانت إخباراتٍ يبعد في كلّ واحد منها احتمال الاستناد إلى مصلحة شخصية تدعو إلى الإخبار بصورة معينة ، إما لوثاقة المخبر أو لظروف خارجية ، حصل اليقين بسببها بصورة أسرع ، وكذلك الحال في الاقترانات المتكرّرة بين الحادثتين ، وليس ذلك إلّا لأنّ اليقين في المتواترات والتجريبيات ناتج عن تراكم القرائن الاحتمالية وتجمّع قيمها الاحتمالية المتعدّدة في مصبّ واحد ، وليس مشتقاً من قضية عقلية أولية كتلك الكبرى التي يفترضها المنطق» (٢).
وإلّا لو كانت هذه القضايا كما يدّعيه المنطق الأرسطي لما كان هناك أي
__________________
(١) الأسس المنطقية ، مصدر سابق ، ص ٣٦٨.
(٢) الحلقة الثالثة ، مصدر سابق ، ج ١ ص ٢٠١.