إن قبلته العين كان تحقق الاستقبال منه على نحو ما مر في القريب » وقد يظن مما ذكره في كيفية استقبال البعيد مخالفة ما قدمنا ، إلا أنه يمكن أن يقال مع عدم سلامة النسخة المزبورة من الغلط : إن مراده المرور الحسي لا الحقيقي بمعنى أنه بسبب البعد يظهر للحس مرور العمود بالكعبة ، لما هو عليه من الاستقبال الصوري ، كما يكشف عنه أول كلامه وآخره ، ولقد أجاد فيما ذكره أخيرا من الضرر بالانحراف اليسير لما فيه من تفويت الظن بالاستقبال الصوري ، إذ لعله كما نجده الآن من الانحراف عن النجوم وبعض النقط ، وحينئذ فالأولى جعل المدار فيما لا يجوز من الانحراف على المفوت للظن المزبور القائم مقام العلم بعد تعذره ، ولعله غير المستفاد من الأدلة مما ستعرفه من تفاوت العلامات المزبورة ، ومما يؤكد إرادته ما ذكرنا في كيفية استقبال البعيد ما عثرنا عليه من كلامه أيضا في شرح الإرشاد ، فإنه بعد أن حكى عن والده الاعتراض الأول المزبور على تعريف التذكرة قال : « قلت : قد يحمل المحاذاة على الحسية ، بل ذلك هو المتعارف على لسان أهل الشرع على نحو ما اشتهر بينهم من أهل العراق مثلا وإن طالت صفوفهم واستوت مواقفهم يجعلون الجدي بحذاء المنكب الأيمن على نحو واحد ، ومن المعلوم امتناع ذلك بحسب نفس الأمر ، لاختلاف أشخاصهم فيه ، وإنما يمكن تحققه بحسب الحس ، فعلى هذا ليس البعد مخلا بظن المحاذاة ، بل كلما ازداد اتسع السمت الذي تظن هي فيه » وهو صريح فيما ذكرنا أولا وآخرا ، على أن ذلك كله منا مماشاة لبعض الأذهان التي تستوحش من التفرد بالقول ، ولم تتفطن إلى أن الوحشة من الباطل وإن كثر القائل به ، والانس بالحق وإن قل.
وربما كان أيضا بعض ما يحكى عن روض الشهيد الثاني إشارة إلى ما قلناه ، فإنه بعد أن اعترض على التذكرة بما سمعته من المحقق الثاني من الصف المستطيل قال : فان قيل : القطع بخروج بعض الصف متعلق بأفراد المجموع على الإشاعة لا على التعيين ،