كونها ذاتية غير عارضية ، فإذا تحقق ذلك وعلموا أنه لا يمكن رفعها بوجه من الوجوه أوقعوا الخلع بها » وهو من الغرائب التي لا يساعد عليها كتاب ولا سنة ولا فتاوى أصحاب لا في المقام ولا في غيره ، بل كلامهم في باب الشقاق بين الزوجين صريح في خلافه ، والله الهادي إلى الصواب.
كما أن كلام المتأخرين مثل المصنف وغيره ظاهر أو صريح في عدم خلاف في المسألة حملا لكلام المتقدمين الذي منه ما سمعته من ابن إدريس على إرادة تحقق الكراهة منها ، لا ما فهمه في الرياض من أنه لا بد معها من التعدي في الكلام على وجه يخاف وقوعها مع عدم الطلاق في الحرام.
بل في الحدائق « لم يشترط أحد فيما أعلم ممن تقدم أو تأخر البلوغ إلى هذا الحد المستفاد من هذه الأخبار وتوقف الخلع على كلامها بشيء من هذه العبارات » ولعله كذلك ، ضرورة استبعاد دعوى اشتراط الاسماع المزبور تعبدا بحيث لا تجزئ الكراهة المتحققة التي يخاف معها من أمثال ذلك ، بل يمكن دعوى القطع بعدمه خصوصا بعد ما سمعته (١) من بعض عبارات الأصحاب في المسألة الاتية.
وفرض حصول الكراهة مع الأمن من هذه الأحوال في امرأة لقوة دينها ـ كما يحكى عن امرأة كانت تحت شخص قد تمرض مرضا شديدا فبالغت في خدمته ، فلما بريء أراد جزاءها على ذلك ، فقال لها : اقترحي علي جزاء ، فقالت له : اسكت عن هذا الكلام ، ثم ألح عليها ، فأجابته بأني أريد منك جزائي طلاقى ، لأني كارهة لك من أول الأمر ، ولكن فعلت ما فعلت خشية من الله تعالى شأنه في التقصير في حقك ـ مع أنه في غاية البعد ـ ولذا طلبت المرأة المزبورة أن يكون جزاءها طلاقها مخافة الوقوع في المحرم عليها من ترك حقوق الزوجية ـ يمكن أن يقال : إن الشارع اكتفى بالكراهة التي من شأنها وقوع مثل ذلك ، فلا ينافي تخلفها في بعض الأفراد النادرة ، كما أنه لا يكتفي بالمخالفة والتقصير في حقوق الزوج مع عدم كونه عن كراهة ، ولكن لضعف دين أو غيره ، فتنقح من ذلك كله أن اعتبار
__________________
(١) هكذا في النسخة الأصلية المبيضة وفي المسودة « تسمعه » وهو الصحيح.