وإلا فلا ريب في عدم الفرق في تحقق الاتصاف المزبور بين وجود مثل هذا النهي وعدمه.
وعليه ، بما أن المبغوض الفعلي لا يمكن أن يتقرب به فيمتنع شمول إطلاق الأمر بالنسبة إليه ، ونتيجة ذلك هو البطلان كما عرفت وهذا ظاهر.
وأما في فرض الجهل ، فان كان عن تقصير كما لو كانت الشبهة حكمية قبل الفحص أو مقرونة بالعلم الإجمالي بحيث كان الواقع منجزاً عليه من دون مؤمّن فلا ريب في البطلان حينئذ لإلحاق مثله بالعامد ، وهذا لا غبار عليه ، كما لم يقع فيه خلاف من أحد.
إنما الإشكال في الجاهل القاصر ، أي في من كان جهله عذراً له لعدم تنجز الواقع عليه من جهة وجود المؤمّن الشرعي كما في الشبهات الموضوعية البدوية أو الحكمية بعد الفحص ، لجريان البراءة حينئذ واتصاف الفعل بالحلية الظاهرية فهو معذور في جهله.
فالمشهور ذهبوا حينئذ إلى الصحة ، فحكموا بجواز الصلاة في الدار الغصبية وبجواز التوضي بالماء المغصوب إذا كان عن جهل قصوري ، ففصلوا بين صورتي العلم والجهل مع بنائهم على الامتناع في باب اجتماع الأمر والنهي.
لكنه في غاية الإشكال كما تعرضنا له في الأُصول (١) وقلنا إن التفصيل المزبور غير سديد ، بل إما أن يحكم بالصحة في الصورتين أو بالبطلان كذلك.
وملخص الكلام : أنهم استندوا في الحكم بالصحة مع الجهل إلى أن الحرمة الواقعية ما لم تتنجز ولم تبلغ حد الوصول لا تمنع عن صحة التقرب وصلاحية الفعل لأن يكون مشمولاً لإطلاق دليل الأمر ، إذ التمانع في المتزاحمين متقوّم بالوصول ، وإلاّ فمجرّد الوجود الواقعي غير الواصل لا يتزاحم به التكليف الآخر. فاذن لا مانع من فعلية الأمر لسلامته عن المزاحم ومعه يقع العمل
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٣٨.