صلاحية الفعل لأن يتقرب به ، وحصوله بداع قربي ، وكلا الركنين متحقق في المقام.
أما الأول : فلأن المفروض عدم غصبية المكان بحسب الواقع ، واعتقادها لا يغيّر الواقع عما هو عليه ، فلا تقصر الصلاة في هذا المكان عن غيره في صلاحيتها لأن يتقرّب بها.
وأما الثاني : فلأنه المفروض ، إنما الشأن في كيفية تمشّي قصد القربة بعد اعتقاد الغصبية والالتفات إلى الحكم والموضوع.
ويمكن فرضه فيما إذا كان جاهلاً بالحكم الوضعي أعني الفساد فلم يعلم ببطلان الصلاة في الدار المغصوبة ، وإن كان عالماً بالحكم التكليفي وموضوعه.
وقد يقال بالبطلان وإن تمشى منه القصد وحصلت النية ، من جهة أن الفعل المتجرّى به قبيح يستحق عليه العقاب ، فهو حرام بالعنوان الثانوي ، وإن لم يكن كذلك بعنوانه الأولي ، وصدوره منه مبغوض لا محالة ، ولا فرق في عدم إمكان التقرب بالمبغوض ، وعدم كون الحرام مصداقاً للواجب ، بين ما كان كذلك بعنوانه الأوّلي أو الثانوي لوحدة المناط.
وفيه : أنّ هذا وجيه بناء على القول بحرمة التجري شرعاً زائداً على قبحه عقلاً ، لكنه بمعزل عن التحقيق كما فصّلنا القول فيه في الأُصول. (١) وملخّصه : أن تعلق القطع بالشيء لا يوجب تغيره عما هو عليه ، ولا يحدث فيه مصلحة أو مفسدة كي يستكشف منه الحكم الشرعي ، لقيام الملاكات بالموضوعات الواقعية عُلم بها أم جهل ، والقطع طريق بحت وليس بنفسه موضوعاً للحكم ، فلا يقاس بمثل الهتك المتضمن للمفسدة المستتبعة للحكم الذي متى انطبق على موضوع يحدث فيه مفسدة أو يوجب قلب صلاحه إلى الفساد.
نعم ، إنّ هذا الفعل المتجرّى به مضافاً إلى كشفه عن القبح الفاعلي وأنه خبيث الباطن سيّء السريرة يتصف بالقبح الفعلي بحكم العقل ، فإنه بنفسه
__________________
(١) مصباح الأُصول ٢ : ٢٢.