وما أُفيد في المتن من كفاية الظن الحاصل بالقول ، إن أراد به اعتبار الظن الشخصي فهو في حيّز المنع كما عرفت ، وإن أراد به الظن النوعي والكاشفية بحسب النوع المجامع حتى مع الظن الشخصي بالخلاف كما هو ظاهر العبارة بقرينة التعليل المذكور في الذيل فنعم الوفاق.
الثاني : الفحوى ، وقد مثّل لها في المتن بالإذن في التصرف بالقيام والقعود والنوم والأكل من ماله الدال على الاذن في الصلاة بطريق أولى.
أقول : الفحوى عبارة عن استتباع دلالة اللفظ على معنى دلالته على معنى آخر بالأولوية بحيث يكون المعنى الآخر مستفاداً من حاق اللفظ بطريق أولى من دون ضم قرينة خارجية ، وهذا كما في قوله تعالى ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ ) (١) فان هذا الكلام وما يرادفه من سائر اللغات لو القي على كل عارف باللغة يستفيد منه أنّ هذا أقل مراتب الإيذاء ، وأنّ النهي عنه يدل بنفسه على النهي عن سائر مراتب الإيذاء من الشتم والضرب ونحوهما بطريق أولى.
وهذا الضابط كما ترى غير منطبق على المثال ، ضرورة أنّ الاذن في القيام والقعود بما هو إذن لا يستتبع الاذن في الصلاة ولا يستلزمه فضلاً عن أن يكون ذلك بالأولوية ، فإن الآذن قد يكون كافراً أو بدوياً لا يرضى بالصلاة في محله لتشؤمه وتطيره بها كما يُحكى عن بعضهم ، فمجرد الاذن في سائر التصرفات لا يدل على الاذن في الصلاة إلا بعد ضم قرينة خارجية كالعلم بكون الآذن مسلماً خيّراً لا يعتقد بتلك الأوهام ، فيخرج عن كون الدلالة مستندة إلى حاق اللفظ كما هو المناط في صدق الفحوى على ما عرفت.
والأولى التمثيل بما إذا أذن المالك في إتلاف العين حقيقة ، كإراقة الماء أو إحراق الفرش أو هدم الدار ، أو حكماً كبيعها مع كون الثمن للمأذون ، فإن الإذن في الإتلاف الحقيقي أو الحكمي بحيث يكون اختيار العين بيد المأذون يدل
__________________
(١) الإسراء ١٧ : ٢٣.