والتحقيق : هو التفصيل في المكان بين معنييه فتعتبر الإباحة فيه بالمعنى الأول في الجملة دون الثاني. وقد استقصينا الكلام فيه في الأُصول في بحث اجتماع الأمر والنهي (١).
وملخصه : أن حقيقة الصلاة تتألف لدى التحليل من عدة من الأذكار كالقراءة ونحوها ، ومن الهيئات كالركوع والسجود والقيام وغيرها ، وشيء من ذلك لا يتحد مع الغصب عدا السجود من أجل أنّ مفهومه متقوم بوضع الجبهة على الأرض.
توضيح ذلك : أن الأذكار كالقراءة والتسبيحات ونحوها وإن أوجبت تحركاً وتموّجاً في الهواء ، فكانت تصرفاً في الفضاء المغصوب بحسب الدقة العقلية إلا أنها لا تعدّ تصرفاً بالنظر إلى الصدق العرفي الذي هو المناط في تعلق الأحكام الشرعية ، فلا يقال للمتكلم المزبور أو لمن نفخ في أرض الغير أنه تصرف في ملك الغير بدون رضاه بحيث يكون عقاب المتكلم في الدار الغصبية أشد من عقاب الساكت باعتبار ارتكابه تصرفاً آخر في الفضاء زيادة على أصل الاستيلاء ، فلا تتحد الأذكار الصلاتية مع الغصب بوجه.
وأما الهيئات الخاصة : من الركوع والسجود ونحوهما فهي أيضاً لا تستوجب تصرفاً في المغصوب ، ضرورة أنّ الواجب منها إنما هو نفس الهيئة ، وهي بمجردها لا تكون مصداقاً للتصرف. نعم مقدماتها من الهوي والنهوض تصرف فيه ولكنها خارجة عن ماهية المأمور به ، فما هو الواجب لم يكن منهياً عنه ، وما هو المنهي عنه لم يكن مصداقاً للواجب ، فأين الاتحاد.
نعم ، في خصوص السجود بما أنه يعتبر فيه وضع الجبهة بل المساجد السبعة على الأرض ، والوضع متقوّم في مفهومه بالاعتماد وإلقاء الثقل ولا يكفي فيه مجرد المماسة ، فلا جرم يتحقق الاتحاد بالإضافة إلى هذا الجزء خاصة ، لكون الاعتماد المزبور مصداقاً بارزاً للتصرف في ملك الغير فيحرم ، وبما أنّ الحرام لا
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٤ : ٢٨٣ ٢٨٨.