وبعبارة اُخرى : إنّه لأجل توقف معرفة صحة سلب جميع المعاني علىٰ معرفة ما يتوقف على معرفة صحة السلب ، فاذا قيل : بأنّ معرفة صحة سلب جميع المعاني يتوقف على معرفة لازم ما يتوقف معرفته على صحة السلب ، لا على نفس ما يتوقف على صحة السلب ، والاستلزام غير التوقف ، فلا يكون صحة السلب متوقفة على ما يتوقف عليها ، فلا يلزم الدّور أصلاً .
لكنّ الإنصاف أنّه ، وإن لم يلزم الدّور المصطلح ـ حينئذ ـ لكنه لا يخلو عن محذور ، لاشتماله على محذور نظير الدور ، وهو تقدم زمان معرفة المعلوم على زمان معرفة علامته ، فإذا توقف معرفة صحة سلب جميع المعاني الحقيقية على معرفة أنّ المعنى ليس شيئاً منها ، فلا يحصل العلم بصحّة سلب جميع المعاني ، إلّا بعد زمان معرفة أنّ المعنى ليس منها ، والمفروض أنّ المعلوم ـ الذي هو معرفة كونه مجازاً ـ ملازم لمعرفة أنّ المعنى ليس منها ، فيكون معرفته ملازمة لمعرفته ، فلا تنفك عنها بحسب الزمان ، فتكون معرفته مقدَّمة على معرفة العلامة بحسب الزمان ، وهو محال كالدور ، هذا في علامة المجاز .
وقد ظهر ممّا ذكر أيضاً ، ما في كلام المحقق القمي ( رحمه الله ) من اختياره أنّ الدور مضمر في علامة المجاز بواسطتين ، وأمّا الدّور في علامة الحقيقة فاختار المحقق القمي (١) ( قدس سره ) كونه مضمراً ، كما في علامة المجاز معللاً بأنّ معرفة كون الإنسان حقيقة ـ في البليد ـ موقوفة على عدم صحة سلب المعاني الحقيقية للإنسان عنه ، وعدم صحة سلب المعاني الحقيقية للإنسان عنه موقوف على عدم معنى حقيقي للإنسان ، لجواز سلبه عن البليد ، كالكامل في الإنسانية ، ومعرفة ـ عدم هذا المعنى ـ موقوفة على معرفة كون الإنسان حقيقة في البليد .
وقد أورد عليه الشيخ محمد تقي (٢) قدس سره بوجهين :
الأوّل : أنّ المطلوب في علامة الحقيقية إثبات الوضع للمعنى المفروض ، أو اندراجه في الموضوع ( له ) (٣) علىٰ ما سيأتي تفصيله ، وهو حاصل ، لعدم صحّة السلب في الجملة ، فلا يعتبر فيه عدم صحة سلب كلّ واحد من المعاني الحقيقية .
___________________________
(١) حيث قال في القوانين : ١٨ ، ما هذا نصّه : والحق انّ الدّور فيه ايضا مضمرٌ لانّ معرفة كون الانسان حقيقة في البليد الخ .
(٢) هداية المسترشدين : ٤٩ .
(٣) أثبتناه ليستقيم السياق .