وحاكيين عنه ، ولا ريب أنّ ما نحن فيه ، أعني معنى اللّفظ ، والمراد باللّفظ الواقع في الموضوع ، وإن كانا راجعين إلى حقيقة واحدة في نفس الأمر ، إلّا أنّهما مفهومان متغايران يحكي كل منهما عمّا يحكي عنه الآخر ، وهو الحقيقة الوحدانية ، ومنتزعان منها بتأويل كل منهما بالمعنىٰ ، أو بالمسمّىٰ ، أو بالمنفهم من اللّفظ عند أهل اللسان ، فيكون حاصل التأويل أنّه ليس أن لا يكون معنى العين معنى الذّهب أو مسمّاه مسمّاه ، أو المنفهم منه المنفهم منه ، ولا ريب أنّ معنى العين باضافته إلى العين ، غير معنى الذهب باضافته إليه ، وكذلك المسمّى والمنفهم عرفاً ، فإنّه باضافته إلى كلّ واحد منهما مغاير له مفهوماً ، باعتبار اضافته إلى الآخر .
نعم الممتنع هو أن يراد من العين معنى الذّهب بعينه ، ومن الذهب كذلك ، فإنّ حاصل الحمل ـ حينئذ ـ يصير أنّ الذهب ذهب ، ونحن لا نقول بإرادة معنى العين بعنوان كونه الذهب ، ولا بإرادة معنى الذهب بعنوان كونه الذهب ، بل نقول : بإرادتهما منهما بعنوان المسمّىٰ أو المعنى ، أو المنفهم ، كما عرفت ، فحينئذ ، فلا ريب في تغايرهما ، فيصحّ الحمل بهذا الاعتبار .
وأمّا قوله : إنّه إن كانا متغايرين ، فلا يثبت الوضع لهذا الموضوع ، فهو بإطلاقه محال ، فإنّه مسلّم فيما إذا كان التغاير بينهما في الحقيقة والهويّة ، بأن كان كل من الموضوع والمحمول حاكياً عن حقيقة غير ما يحكي عنها الآخر ، كما في المتساويين والعامين المطلق .
وأمّا فيما إذا كان التغاير بالاعتبار ، وبملاحظة التصوّر الذهني ، مع اتحادهما في الحقيقة ، كما فيما نحن فيه ، فلا يعقل ثبوت حكم لأحدهما ، بدون ثبوته للآخر ، إذ المفروض كونهما حاكيين عن أمر واحد ، وحقيقة واحدة .
فإذا ثبت الوضع لأحدهما فهو في الحقيقة ثابت لهذه الحقيقة الوحدانية التي هي متحدة مع الآخر أيضاً في الواقع ، ومغايرة له بالاعتبار الذهني الموهوم .
وبعبارة اُخرى : المفروض أنّ المراد بأحدهما عين المراد بالآخر ، فثبوت الوضع لأحدهما عين ثبوته للآخر ، وإلّا فالتغاير أمر اعتباري التجأنا إليه لتصحيح الحمل .
وإن شئت التوضيح لما حققنا ، فلنأتيك
بذكر مقدمة ليرتفع بها الإجمال ، ويتّضح الحال : وهي أنّ كل قضية حملية ، لا بدّ فيها من مغايرة ما بين الموضوع
والمحمول ، لئلّا يلزم حمل الشيء على نفسه ، ومن اتّحاد ما بينهما ، لئلّا يلزم حمل الشيء على
المباين له ، إذ الحمل معناه الحكم بالاتّحاد بين الموضوع والمحمول ، فمع عدم
الاتحاد من