داخل في هذا القسم ، وربما يطلق على هذا القسم التبادر تسمية للشيء باسم مسببه ، فإنّ التبادر حقيقة هو هذا الظهور ، وذلك القسم سببه فتسميته به بالاعتبار المذكور .
ووقع التعبير عنه بذلك في كلام بعض السادة الأجلاء ، حيث قال : إنّ سبب ظهور اللفظ في المعنى المجازي في صورة تعدده أحد اُمور ثلاثة :
الاشتهار ، والقرب ، والتبادر ، وأراد بالاشتهار الأقربية من حيث الاستعمال ، وبالقرب الأقربية من حيث الاعتبار ، وبالتبادر القسم الأخير .
هذا ، ولكن الحق عدم كون القرب الاعتباري سبباً للتعيين والظهور ، نعم هو يكون منشأ للأقربية الاستعمالية بمعنى أنه شَرطٌ شُرِط فيها ، فإنه يتوقف استعمال اللفظ في الغير الموضوع قليلاً أو كثيراً بملاحظته ، إذ لولاه لما جاز الاستعمال المجازي ، لتوقفه على العلاقة المؤكدة بين المعنى الأصلي والمجازي ، لكنه ليس بنفسه صالحاً للتعيين ، وظهور اللفظ في الأقرب من جهته .
وما ذكرنا ـ من المنع ـ لا ينافي ما ذكره أهل البيان : من أنّ وجه الشبه ـ بين المشبه والمشبه به ـ لا بد أن يكون من أظهر أوصافه ، ليكون سبباً للانتقال من المشبه به إلى المشبه ، فإنّ غرضهم الأظهرية في نظر العرف ، دون الواقع ، ونظر العقل .
ثم إنّه تظهر الثمرة بين ما اخترنا ـ في الأقربية الاعتبارية ـ وبين القول الآخر في حديث الرفع ، وأمثاله مما قامت القرينة فيه على تعذر حمل اللفظ على الحقيقة ، مع وجود أقرب اعتباراً من بين المجازات ، فعلى ما اخترنا لا يحمل الحديث على رفع جميع الآثار ، لكونه أقرب إلى نفي الحقيقة ، بل يحمل على الأمر الظاهر عند العرف في مثل هذا التركيب إن كان كالمؤاخذة ، وإلّا فالتوقف .
ثم إنّه يترتب على كون الظهور العرفي معيّناً للمعنى المجازي حمل قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ ) (١) على حرمة وطئها ، لأنّه الأظهر عرفاً من بين سائر المحتملات ، وكذا حمل قوله تعالى ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ ) (٢) على حرمة أكلها ، لكونه أظهر عرفاً في مثل هذا التركيب ، بعد تعذر الحقيقة ، فإنّ الحقيقة في المثالين متعذرة الإرادة ، لأنّ الحرمة من صفات الفعل لا الذات ، فلا يجوز اتصافها بها .
ثم ليعلم أنّ مثل هذا الظهور من القسم الثالث ، فإنّ سببه ليس الأقربية
___________________________
(١) سورة النساء : ٢٣ .
(٢) سورة المائدة : ٣٠ .