وإنّما أفردوا البحث عن التقييد ، والنسخ ، مع أنهما أيضاً من أحوال اللفظ ، مع وقوع التّعارض بينهما وبين غيرهما من الأحوال الخمسة المتقدمة ، لأنّ النسخ ليس قسماً آخر من الأحوال ، بل هو داخل في التخصيص ، فالبحث عن حكم معارضة التخصيص مع غيره يغني عن البحث عن حكم تعارض النسخ ، مع سائر الأحوال المتقدمة ، إذ ليس له خصوصية زائدة من بين أفراد التخصيص ، فيكون حكمه حكم مطلق التخصيص ، وإفرادهم له بالبحث ليس من جهة البحث عن معارضته مع سائر الأحوال غير التخصيص ، بل الغرض الممهّد لأجله مبحث بناء العام على الخاص ، أو النسخ إنّما هو بيان الحال في معارضة أفراد التخصيص بعضها مع بعضها ، فيقال فيما إذا ورد عام ، ثم ورد خاص : فهل يحكم بالتخصيص الافرادي بحمل العام الأوّل على هذا الخاص ، أو بالتخصيص الأزماني ، فيجعل الخاص نسخاً للعام .
والغرض فيما نحن فيه ـ أعنى تعارض الأحوال ـ بيان الحال عند تعارض أنواع تلك الأحوال ، لا أفرادها بعضها مع بعض ، فظهر أنّ إفراد النسخ بالبحث ـ في مبحث بناء العام على الخاص ـ ليس إفراداً من الجهة المبني عليها بحث تعارض الأحوال .
وأمّا إفراد التقييد ، فلطول البحث فيه بحيث لا يسعه المقام هنا ، فإنّ الجواب السابق لا يتمشى هنا ، فإنّ الغرض في مبحث المقيد والمطلق ، هو الغرض في تعارض الأحوال من معرفة حكم معارضة التقييد مع غير نوعه ، فانّ التعارض هناك بين التقييد في المطلق ، أو المجاز في المقيد .
وكيف كان ، فبملاحظة دخول النسخ ، والتقييد في الأحوال ، فيما نحن فيه ترتقي أقسام تعارض الأحوال إلى أحد وعشرين قسماً ، كما يظهر بالتأمل ، ولعل الذي حصر الأقسام في العشرة ، أهمل هذين ، أي النسخ والتقييد فيما نحن فيه ، إذ بعد إهمالهما ترتقي أقسام تعارض سائر الأحوال إلى عشرة ، وبزيادتها يزيد أحد عشر .
ثم إنّ تنقيح المقال في تعارض الأحوال يتوقف على مراحل ثلاث :
الاُولى : في تأسيس الأصل ، فيما إذا تكافأت اثنتان منها ، إمّا لعدم مزية لأحدهما على الاُخرى أصلاً ، أو بناء على عدم اعتبار المزية ، والترجيح في المقام ، واختصاص اعتباره بتعارض الأخبار .
الثانية : في ذكر المزايا والمرجّحات النوعيّة ، وأمّا الشخصيّة التي تفيد الظن الفعلي بأحد الطرفين ، فهي باعتبار عدم انضباطها ، لم تصلح لتعلق غرض الاُصوليين بذكرها في المقام .