طبقها ، وترتيب آثار الصدق عليها ، لا إحداث صفة الكشف فيها ، فإنّها غير قابلة للجعل ، فيكون الحال في تعارضها أيضاً حال الاصول العمليّة ، من حيث رجوع التعارض فيها ـ أيضاً ـ إلى تعارض الحكمين ، فيتّجه التفصيل فيها ، كما إذا علم إجمالاً بنجاسة أحد اللحمين اللّذَيْنِ كان كلّ منهما لمسلم فاشترى أحدهما ، فإنّ المتوجّه ـ حينئذ ـ إنّما هو ترتيب آثار هذه اليد على ما أخذ منها ، دون اليد الاُخرى ، فيحلّ له أكل هذا اللحم من دون توقّف على تبيّن حاله ، ليعلم أنّه ليس المعلوم بالإجمال .
والحاصل : انّ التعارض في الاصول والطرق الشرعية مرجعه إلى تعارض الأحكام الفرعية ، ولا ريب أنّه إذا لم يتوجه عليه أحد الحكمين المتنافيين فالمتعيّن في حقّه إنّما هو الحكم الآخر ، هذا بخلاف الاصول اللفظية فإنّها لمّا كانت طريقيّتها بأنفسها ، ولم يكن للشارع فيها جعل أصلاً إلّا إمضاءه عمل العقلاء عليها فتعارضها لتكاذب الأمارتين ، فكلّ واحد من الأصلين اللفظيّين المتعارضين يكذّب الآخر . ولو لم يكن متضمّناً لحكم على المكلّف لكان كلّ من الخطابين ـ حينئذ ـ مجملاً في مفاده ، سواء كان التعارض ذاتيّاً أو عرضيّاً ، ومعه يسقط الاستدلال بالخطاب الذي هو مورد الابتلاء ، إذ مداره على الظهور ، وإذ ليس فليس .
ومن هذا ظهر وجه اختيار شيخنا ـ دام ظلّه ـ لما اخترنا من عدم الفرق في رسالة أصالة البراءة (١) ، وضعف ما اختاره من التفصيل في مسألة حجية ظواهر الكتاب (٢) .
___________________________
(١) فرائد الاصول : ٢٥٦ في مبحث العلم الاجمالي في التدريجيّات عند قوله : أللّهم إلّا أن يقال : إنّ العلم الاجمالي بين الشبهات التدريجيّة ( إلى أن قال ) لكنّ الظاهر الفرق بين الاصول اللفظيّة والعمليّة ، فتأمّل . وإن شئت بيان الفرق في كلام الشيخ ( ره ) فلاحظ كلام المحقق الآشتياني في بحر الفوائد : ١١٨ ، وكلام المحقق الآخوند ( ره ) في حاشيته على فرائد الاصول : ١٤٧ .
(٢) فرائد الاصول : ٤٠ ، الثالث : وقوع التحريف في القرآن على القول به ( إلى أن قال ) : مع أنّه لو كان من قبيل الشبهة المحصورة أمكن القول بعدم قدحه لاحتمال كون الظّاهر المصروف عن ظاهره من الظواهر الغير المتعلقة بالأحكام الشرعيّة التي أُمرنا بالرجوع فيها إلى ظواهر الكتاب فافهم . للتفصيل ومعرفة كلام الشيخ ( ره ) راجع كلام المحقق الاشتياني في بحر الفوائد : ٩٨ ـ ١٠٢ . كما أنه إن شئت تفصيل كلامه في بحث الابتلاء في الاصول العملية في كون الأصل جارياً في طرف الابتلاء دون الآخر لاحظ كلامه في الرسائل : ٢٥١ ، وفي اوّل مبحث البراءة : ١٩١ عند قوله : وأما الدليل الدال على اعتباره فهو وان كان علميّا إلا أنه لا يفيد الا حكما ظاهريّاً حيث أن هذه العبارة تدلّ على رجوع جعل الأمارات والطرق إلى جعل احكام ظاهرية مماثلة للأحكام الواقعيّة .