ذلك ، فلما لم يثبت الاتفاق المذكور ، فالحمل على المعهود المتعارف .
وفيه ما لا يخفى : أما أولاً ، فلأن النقل ـ أيضاً ـ أمر معهود متعارف .
وثانياً : أن توقّفه على اتفاق أهل اللسان ممنوع ، بل قد يحصل من شخص واحد متّبع يتبعه الباقون من أهل اللسان في الاستعمال ، سيما إذا كان النقل من أهل اصطلاح خاص .
والتحقيق أن يقال : إن الدوران بينهما ـ أي المجاز والنقل ـ إمّا في لفظ واحد ، وإمّا في لفظين ، فعلى الأول ، إما أن يكون النقل المبحوث عنه تعيّنيّاً او تعيينيّاً ، وعلى الأول يتصور صورتان :
الاُولى : أن يعلم بمقدار من استعمالات اللفظ في المعنى ـ المبحوث عنه ـ غير كاف في حصول النقل ، ولو مع عدم القرينة المتصلة ، ويشك في حصول أزيد من هذا المقدار إلى حد يوجب النقل عادة .
الثانية : أن يعلم بتحقّق مقدار من استعمالاته فيه ، بحيث لو فرض حصولها بدون القرينة المتصلة (١) لكانت موجبة للنقل يقيناً ، لكن يشكّ في صفة هذه الاستعمالات المجازية ، بأنّها هل حصلت مع القرينة المتصلة ، فلم يتحقق النقل ، أو مع المنفصلة فيتحقق النقل .
ففي الاُولى ، التعارض بين أصالة عدم الاستعمالات الزائدة على القدر المعلوم الآتية إلى النقل ، وبين أصالة عدم القرينة في الاستعمال الخاص ، المبحوث عن كونه على وجه الحقيقة من جهة حصول النقل ، أو على وجه المجاز من حيث عدم النقل .
ولا ريب أنّ العمل بالأول متعين ، فإنّ مخالفته منحلة إلى مخالفات لاصول كثيرة بتعدد الاستعمالات المشكوكة الزائدة عن المقدار المعلوم ، مضافاً إلى استصحاب بقاء الوضع ، وعدم هجر اللفظ عن المعنى الأصلي ، ومضافاً إلى الغلبة في جانب المجاز ، وأصالة عدم القرينة ـ في الاستعمال الخاص المذكور ـ تعارض مع مثلها بالنسبة إلى واحد من الاستعمالات المشكوكة ، فيبقى الأصل سليماً عن المعارض ، مضافاً إلى ما عرفت من الغلبة واستصحاب عدم هجر اللفظ عن معناه الأصلي .
هذا مع أن أصالة عدم النقل ، لما كانت من الاصول الوضعية ، فهي مزيلة
___________________________
(١) هذا بناء على المختار من اشتراط ـ كون الاستعمالات المجازيّة محصّلة ـ بالقرائن المنفصلة ، وإلّا فجماعة لم يفرّقوا بينها ، وحكموا بحصول النقل بها مع المتّصلة منه طاب ثراه .