بالغلبة في مقام التعيين ، كما يستفاد من المحقّق القمي (١) ( قدس سره ) وإن كان ظاهر كلامه عدم ظهور الخلاف ، لكن التامل يشهد بأنّ مراده الاجماع .
وإن أبى السيّد ذلك ـ أيضاً ـ نقول : قد قام الإجماع على العمل بأقوى الدّليلين ، ولا يخفىٰ أنّه إذا تعٰارض الاصول في الدّورانات فالغلبة موجبة لقوّة ذيها علىٰ غيره .
وإنْ أبىٰ عن ذلك ـ أيضاً ـ نقول : إنّه لا ريب أنّ تعارض الأحوال مرجعه إلىٰ تعارض الاصول ، ولا يخفىٰ أنّه إذا كان أحد الأصلين سببيّاً يجب الأخذ بمؤداه ، لكونه مزيلاً لصاحبه ، وفي الحقيقة هذه الصورة خارجة عن صور التعارض .
وإن لم يكن أحدهما سببيّاً ، وتحقّق التعارض بينهما ، فلا بدّ من التّمشّي بقاعدة التعارض ، فنقول : إنّ الأصل عند تكافؤ أصلين من هذه الاصول إمّا التخيير ، كما في صورة تكافؤ الأدلّة ، وإما التّوقف .
فعلى الأوّل : لا شبهة في وجوب الأخذ بذي المزيّة لأنّه الأصل حينئذ فإنّ التخيير إن كان شرعيّاً فلا يشمل أدلّته لصورة وجود المرجح ، وإن كان عقلياً لا يحكم العقل به ـ حينئذ ـ فيتعين الأخذ بالرّاجح .
وكيف كان ، فوجوب الأخذ بالمرجّح حينئذ موافق للأصل ـ أعني القاعدة العقلية ـ لا يحتاج ثبوته إلىٰ دليل ، وقولهم : إنّ المرجّح كالدّليل إنّما هو بالنّظر إلى الصّورة الثانية .
وأمّا على الثاني : فثبوت التّرجيح والتعويل عليه ، وإن كان محتاجاً إلىٰ الدّليل ـ كمٰا في تعارض الأدلّة ـ إلّا أنّ الأخذ بالأصل المطابق للغلبة حينئذ واجب ، لكن لا من حيث حجّية الغلبة ووجوب الأخذ بها ، بل لأنّ اعتبار الاصول العدميّة الجارية في باب الألفاظ ـ كما مرّ بيانه سابقاً في مبحث العلائم ـ إنّما هو بملاحظة الغلبة ، حيث إنّها اصول عقلائية ، ولا يعقل تعبّدهم بمجرّد الشك ، بل عملهم في أمورهم إلىٰ الغلبة ، فمناط عملهم بالاصول المذكورة إنّما هو وجود الغلبة في مجاريها ، فتعارض تلك الاصول يرجع إلى تعارض الغلبتين ، فإذا فرضنا وجود الغلبة الشخصيّة في مجرى أحدهما ـ أيْ أحد الأصلين المتعارضين ـ فالغلبة النّوعية الموجودة في مجرى الآخر مزاحمة بتلك الغلبة الشخصية ، فإذا زوحمت هذه بتلك ، فتسقط عن الاعتبار قطعاً ، فيبقى
___________________________
(١) القوانين : ٣٥ عند قوله : ولم نقف على من منع اعتبار هذا الظنّ من الفقهاء .