ـ أيضاً ـ بين ما يستند إلى بناء العقلاء والغلبة ، وبين ما يستند إلىٰ خصوص الغلبة ، مثلاً إذا ورد عام وخاص متنافيا الظاهر ، كقوله ( اكرم العلماء ) ( ولا تكرم زيداً ) فهذا مما استقرّ فيه بناء العرف والعقلاء إلى ترجيح التخصيص على ارتكاب التجوّز في المخصص ، فالتّرجيح في مثله أيضاً مستند إلى الدليل ، وهو بناء العرف والعقلاء .
بل يمكن الاستدلال فيه بالأصل أيضاً ، لأنّ الشك في التخصيص فيه مسبَّب عن الشك في التّجوز ، فأصالة الحقيقة في المخصص محكّمة على أصالة عدم التخصيص ، فكلّ ما هو من هذا القبيل من المرجّحات المذكورة يشارك مع أصالة الحقيقة في الدّليل ، سواء كان هو الاجماع ، أو غيره ، فلم يبق إلّا الموارد الّتي لا مدرك للتّرجيح فيها سوى الظن الحٰاصل من الغلبة الذي منع ( قدس سره ) من اعتباره ، مثل ترجيح النّقل على التخصيص ، وترجيح التخصيص علىٰ غيره في غير مسألة العام والخاص المتنافيي الظاهر ، وغيرهما من التّرجيحات المستندة إلىٰ صرف الغلبة ، فلا بدّ من إقامة الدّليل علىٰ اعتبار الغلبة في مقام ترجيح بعض الأحوال على بعض .
فالتّحقيق في جواب السّيد الشارح للوافية ، وعن الماتن ، لو كان مذهبه كما فهمه الشارح ـ أعني منع اعتبار المرجّحات ، وعدم صحة التعويل عليها ـ أنّ مرجع المرجّحات المذكورة إلىٰ أحد الامور الثلاثة على سبيل منع الخلو : الأصل السليم عن المعارض ، وبناء العقلاء ، والغلبة .
لا شبهة في وجوب التعويل عليها إذا كانت راجعة إلىٰ أحد الأوّلَين ـ اعني الأصل السّليم عن المعارض ، وبناءِ العقلاء ـ فإنّ العمل بالاصول اللّفظية ، والوضعيّة متفق عليه من الكلّ ، لا ينكره أحد ، حتّى السيد المذكور ، والغرض من الدّليل السّليم في المقام ، مع أنّ تعارض الأحوال يرجع إلى تعارض الاصول ، إنّما هو الأصل السّببي ، المزيل لصاحبه المعارض له ، كما في المثال المتقدم ، حيث عرفت أنّ أصالة الحقيقة في المخصّص مزيلة لأصالة العموم في العام ، فيجب اختيار التخصيص .
وأمّا المرجّحات الراجعة إلى الغلبة المجرّدة ، فالدّليل على صحّة التعويل عليها أنّها توجب ظهور اللّفظ في المعنى المطابق للغالب ، فيكون الظّن الحاصل منها من الظّنون اللّفظية ، التي قامت الضرورة على اعتبارها ، كما مر .
وإن أبىٰ وامتنع السيّد المذكور
من ذلك ، فنقول : قد قام الإجماع علىٰ العمل