تأديتها بكل واحد منها ، كجواز تأديتها بوجه الحقيقة والمجاز .
فإذا عرفت هذه ، فلنرجع إلى ما نحن بصدده ، فنقول : إنّه إذا دار الأمر بين حمل الكلام على أحد تلك الوجوه ، وبين حمله على غيرها ، فإمّا أنْ يعلم المستعمل فيه اللّفظ ، من أنّه هو المعنى الحقيقي ، أو المعنى المجازيّ ، أو لا .
فعلى الأوّل : فإمّا أن يكون المستعمل فيه اللفظ هو المعنى الحقيقي ، ويتردّد الأمر بين حمل اللّفظ على الفرد من ذلك المعنى ، الّذي لا يلزمه شيء من الوجوه المذكورة ، وبين حمله على الفرد الذي يلزمه شيء منها ، كما إذا قال المولى لعبده ( كُل السقمونيا ) فشك في أنّ غرضه هو الإرشاد ، أو أنّه الإطاعة والانقياد ، مع أنّ الأمر على التقديرين مستعمل في معناه الحقيقيّ الّذي هو الطّلب الحتميّ ، خلافاً لبعض ، حيث ذهب إلى أنه مجاز في الإرشاد ، وكما إذا قال ( أكرم الفساق ) فشك في أنّ غرضه امتحان العبد أو أنه إكرام الفسّاق حقيقة ، وكما إذا قال : ( أكرم كل طويل النجاد ) فشكّ في أنّ غرضه إكرام كلّ شجاع ، وأنّه أراد لازم معنى هذا اللفظ كناية ، أو أنّ غرضه المدلول المطابقي ، وهو إكرام كلّ طويل السيف ، ولو كان جباناً ، وكما إذا قال الإمام عليه السلام ( إذا توضّأت فامسح تمام الرأس ) فشك في أن غرضه التقيّة ، أو أنّه بيان الحكم الواقعي .
وإمّا أنْ يكون المستعمل فيه هو المعنى المجازي ، وتردّد الأمر بين حمل اللّفظ على المعنى المجازيّ الذي لا يلزمه شيء من الوجوه المذكورة ، وبين حمله على المعنى المجازيّ الذي يلزمه شيء منها .
الظّاهر ، بل المعلوم من العرف ، وأهل اللّسان في كلا هذين المقامين عدم المصير إلىٰ شيء من الوجوه ، وعدم التّوقف ، بل المتعيّن عندهم ـ حينئذ ـ حمل اللّفظ على المعنى العاري منها .
والسّر في ذلك أنّ تلك الوجوه ، وإن لم تكن منافية لأصالة الحقيقة في الكلمة في المقام الأوّل ، ولا لأصالة الظهور فيها في المقام الثاني ، إلّا أنّها منافية لأصالة الحقيقة بالمعنى الثّاني الجارية في كلّ كلام سواء كانت مفرداته مستعملة في معانيها الحقيقيّة أو المجازيّة ، فكما لا شكّ ، في اعتبار الظهور العرفي في المفردات ، فكذلك لا شك في اعتبار الظهور العرفي الثابت في الكلامات .
أمّا الصغرى ، فبالوجدان ، فإنّ الظهورات العرفية لا تختص بالمفردات ، بل هي ثابتة في الكلام ، ومنشؤها غلبة حالات المتكلم على طبقها .