أصل الخبر ، وهي الإجماعات المنقولة كما مرّت آنفا . فذلك التقرير على تسليم المقدمة الاولى يفيد حجية قول أهل الخبرة .
وأمّا الثالث ، فلمنع المقدمة الاولى ، فإن الاشتباه والشك إمّا في معاني الهيئات ، فلا ريب أن العلوم العربية كافلة لها بما لا مزيد عليه ، بحيث يحصل القطع منها بالمعنى الهيئي ، لأن جلّ مسائلها متفق عليها بين أهلها ، ولو فرض الخلاف والتعارض في بعضها فهو نادر جدّاً ، لا يوجب المصير إلى الظن المطلق .
وإمّا في معاني المواد ، فلا ريب أنّهم ضبطوها ، ودوّنوا الكتب لبيانها بحيث يحصل لنا القطع من قول لغوي واحد بلا معارض ، فكيف بما انضم إليه غيره لعدم احتمال الداعي لهم إلى تعمّد الكذب ، فإن أكثرهم وإن كانوا فاسقين ، إلّا أن الفسق لا يكون داعيا إلى الكذب ، ولا مقتضياً له ، وغيره معلوم العدم منهم ، واحتمال الخطأ بعيد عن الذهن جدّاً .
وأمّا صورة اختلافهم في معنى ، أو عدم تعرضهم لمعنى ، فهما مع ندرتهما يمكن تحصيل العلم في هاتين الصورتين بالمعنى من الاستعمالات العرفية المتعارفة ، والرجوع إلى علائم الوضع ، ولو فرض عدم وجود استعمال متعارف ، فهو لا يوجب المصير إلى الظن المطلق لندرته .
وكيف كان ، فلا نظن بحجية مطلق الظن في الأوضاع اللغوية ، كالظن الحاصل من الشهرة والقياس ونحوهما .
نعم ربّما يوجد في كلماتهم ، خصوصاً المتأخرين ، وسيّما المقارنين لعصرنا ، الاستدلال على التعويل على بعض الظنون ، بأن المدار في مباحث الألفاظ على الظن .
لكنا نعلم أنّ كثيراً من الظنون لا يقولون بها ، مع أنّها ليست من المنهّي عنها .
الا أن يقال : إنّ الظن الحاصل من قول أهل الخبرة هو القدر المتيقن على تقرير الكشف ، وأقوى من غيره على تقرير الحكومة ، فيقتصر فيما خالف الأصل عليه .
وفيه ما لا يخفى من المنع ، لأن الأولويّة المذكورة غير معلومة ، وإن كانت مظنونة ، والاقوائية أيضاً غير مطّردة ، إذ الظن الحاصل من الشهرة لا يقصر عن الظن الحاصل من قول آحاد النقلة .
تنبيهات : الأوّل : إنّه بعد فرض حجية قول أهل الخبرة ، أو مطلق خبر الواحد فإن فرض الخبر بلا معارض ، فلا إشكال في جواز العمل به .