كذلك ، مخالفة كانت أم موافقة .
ويمكن توجيه كلام هذا القائل بأحد وجهين على سبيل منع الخلو :
الأوّل : أن يكون هو ممّن يرد جريان الاُصول العملية مع وجود غيرها من الأدلّة والاصول الاجتهاديّتين في صورة الموافقة ، وتكونان أي الأدلّة والاصول الاجتهاديّتين عند المخالفة حاكمتين عليها [ لا واردتين (١) ] ـ كما هو المختار عندنا ـ فيصحّ الرجوع بالنّسبة إلى كلٍّ من هاتين ومن الاصول المذكورة .
الثّاني : أن يكون مراده بأصل العدم أعمّ من أصالة البراءة بحيث يشمل أصالة العموم والإطلاق أيضاً ، فإنّهما أيضاً راجعان إلى اصالة عدم المخصِّص والمقيِّد ، ولعلّ الثاني أوجه .
ثم إنّه يرد على الثّمرة (٢) أنّ الرّجوع إلى أصل العدم ـ على القول بالأعمّ ـ إنّما يتمّ فيما إذا كان في المقام إطلاق لفظيّ ، وأمّا إذا لم يكن ، بأنْ لم يكن لفظ أصلاً ، او كان ولم يظهر كونه في مقام بيان [ حكم ] المطلق ، واحتمل وروده في مقام بيان حكم آخر ، فصار مجملاً لذلك ، فحينئذ لا يقتضي القول بأعمّية الموضوع له جواز الرّجوع إلى الأصل في نفي المحتمل شرطيّته او جزئيته ، إذ غايته معرفة معنى اللّفظ ، ولا مِرية أنّها بنفسها غير كافية فيما ذكر ، بل لا بدّ معها من ظهور الكلام في إرادة هذا المعنى ، والمفروض إجماله .
وكيف كان ، فالأعمّية غير فارقة في هذا المقام ، بل الفارق حينئذ ما اختاره الشخص من المذهب في مسألة إجمال النصّ ، فعلى هذا فربما يكون الأعمّي اشتغاليّاً ، والصحيحي برائياً ، لعدم ابتناء تلك المسألة على هاتيك ، فتنفى الثمرة رأساً ، نظراً إلىٰ أنّ صورة وجود الإطلاق اللّفظي أيضاً غير محتاجة إلى التمسّك
___________________________
(١) الصحيح ما أثبتناه وفي الأصل : لا واردة .
(٢) قال دام ظلّه وهذا التوجيه على فرض تماميّته إشكال عظيم على المشهور لا يكاد يمكن دفعه ، فإنّهم قائلون بالصّحيح ومع ذلك ذهب أكثرهم إلى البراءة في مقام الشك في الجزئية والشرطيّة ، بل هذا إشكال على كافّة المتقدّمين حيث أنّ الظّاهر اتّفاقهم على هذا القول ، أي القول بالصحيح مع ذهاب أكثرهم الى البراءة فيما ذكر ، لكن سيجيء إن شاء الله تعالى دفع هذا التوجيه وابطاله منّا ، فيثبت به لنا حقّ عليهم جزانا الله عنهم خير الجزاء بمحمّد وآله الطاهرين لمحرّره عفا الله عنه .