استيناس بين هذا اللّفظ وذلك المعنى بحيث يتبادر عنده هذا المعنى من اللفظ عند استعماله مجرداً عن القرينة ، فقد حصل له التبادر حينئذ مع عدم معرفة الوضع بعد .
الثّاني : أنّ المتوقف على معرفة التبادر إنّما هو العلم بالعلم بالوضع ، لا العلم بالوضع .
الثالث : انّ معرفة الوضع تفصيلاً متوقفة على معرفة التّبادر لكن معرفة التّبادر لا تتوقف علىٰ معرفة الوضع تفصيلاً ، بل تتوقف على معرفته إجمالا .
هذا ، وفي كل من الوجوه تأمل ، بل منع .
أمّا الأوّل : فلأنه إن كان المراد بالاستعمالات مع القرينة التي اقترنت بالقرينة واتّصلت بها فقد مرّ في مبحث المنقول أنّ الاستعمالات مع القرينة المتصلة وإن بلغت إلى ما بلغت من الكثرة ، لا توجب تبادر المعنى من اللفظ عند تجرده عنها في وقت فراجع ، وإن كان المراد الاستعمالات مع القرينة المنفصلة ، فهذا مسلّم لكنه غير مجد فيما نحن فيه ، لأنّ اللفظ إذا لم يصل استعماله كذلك إلى الحدّ المذكور ، فلا يتبادر عنه المعنى بدون العلم بالقرينة ، وإذا وصل إلى هذا الحدّ فقد حصل للجاهل العلم بالوضع ، فحينئذ يكون التبادر مستنداً إلى علمه بالوضع فلم يرتفع الدور .
وأمّا الثاني : فلأنّ الذي نتعقله فيه ـ وهو أن يكون المراد بالعلم هو الإذعان بثبوت النسبة الخبرية بين الموضوع والمحمول ، وبالعلم بالعلم الالتفات إلى الإذعان المذكور كما ذكرهما أهل المعقول ـ لا يجدي (١) فيما نحن فيه في شيء ، لأنّا ننقل الكلام في الإذعان المذكور ، ونقول : إنّه لا ريب أنّ كل إذعان مسبوق بالجهل لا بد في حصوله من سبب ، وسببه فيما نحن فيه منحصر في التبادر ، إذ المفروض كون التبادر علامة للوضع ، وهو أعني كونه علامة إنّما يكون إذا انحصر طريق معرفة الوضع فيه فالجاهل لا يحصل له الإذعان حينئذ بثبوت وضع اللفظ لهذا المعنى إلّا بمعرفة التبادر ، ومعرفته أيضاً كما سلّمه ذلك المجيب متوقفة على معرفة الوضع التي هي الإذعان المذكور فيعود المحذور ؛ وأمّا الذي يجدي في الدفع لا نتعقله لأنّه لو أمكن كون العلم كليا ذا فردين ، فيكون معرفة التبادر موقوفة على أحدهما ومعرفة الآخر موقوفة على معرفة التبادر ، لا ندفع الإشكال لاختلاف طرفي التوقف ، لكنّا لا نتعقل الصغرى ، لكن الظاهر أنّ مراده الاحتمال الاوّل ، وقد عرفت ما فيه .
___________________________
(١) لا يجدي خبر ( أنّ ) في قوله ( فلأنّ الّذي نتعقّل ) .