وأمّا الثالث : فلأنه إن كان المراد به ما سبق في الوجه الثاني ، فقد عرفت ما فيه وإن كان المراد ما قيل في دفع إشكال الدّور عن الإشكال الاوّل ، فهو لا ينطبق بما نحن فيه بوجهٍ كما لا يخفى .
والتحقيق في الجواب : ما تلقيناه من الأصحاب من أنّ التبادر عند العالم بالوضع أمارة للجاهل به ، كما صرح به العميدي (١) قدس سره ، حيث إنه رحمه الله جعل عنوان المسألة ذلك ، وقال إنّ عدم سبق المعنى من اللفظ عند العالم بالوضع دليل على المجاز للجاهل به ، فلا يتوقف معرفة التبادر في حق الجاهل على معرفة الوضع فارتفع الدور .
وكيف كان ، فأصل العنوان في مسألة التبادر إنما هو التبادر عند العالم بالوضع .
ويكشف عن ذلك مضافاً الى تصريح العميدي عدم تعرض المتقدمين لهذا الاشكال ، مع أنّ دأبهم التّعرض بأدنى من ذلك .
نعم تعرضوا لذلك الاشكال في مسألة عدم صحة السلب ، فحينئذ يرد علينا أنّ عدم صحة السلب أيضاً مثل التبادر ، فإنّه عند العالم بالوضع دليل عليه للجاهل ، ومقتضى ذلك عدم ورود الإشكال عليه أيضاً ، فما وجه تعرّضهم له ثمة ؟ فإن أجبنا عنه ثمة بغير هذا الجواب فيرتفع هذا السؤال عنّا ، وإلّا فهو وارد علينا . هذا تمام الكلام عن دفع إشكال الدور .
واما الجواب عن الايراد الثاني : وهو الاشكال بتبادر المعنى المجازي في المجاز المشهور ، فبأن التبادر الذي ادّعينا كونه علامة للوضع إنّما هو التّبادر الناشئ عن جوهر اللفظ .
وأمّا المجاز المشهور فلا ريب أنّ الأقوال فيه ثلاثة :
الأول : أنه يتبادر المعنى المجازي من اللفظ مع أنّ وضعه لم يهجر عن المعنى الحقيقي ، فيحمل اللفظ على المجاز . وهذا القول لأبي يوسف (٢) .
___________________________
(١) منية اللبيب مخطوط في البحث الرابع في الفرق بين الحقيقة والمجاز واليك نصّه : وأمّا ما يختصّ بالحقيقة فاشياء منها : أنْ يسبق المعنى إلى أفهام المتحاورين باللّغة عند اطلاق لفظه مجرّداً عن القرائن المخصّصة لذلك اللفظ بذلك المعنى .
(٢) في المنية في البحث التاسع عند عدّ الاقوال ما هذا نصّه : وقال ابو يوسف المجاز الراجح اولى لطرق رجحانه .