والثاني : عكسه ، وهو أنه يتبادر المعنى الحقيقي أيضاً ، فإنه وان كان مرجوحاً في النظر ابتداء إلّا أنّ بملاحظة أصالة الحقيقة يتبادر ويظهر كونه هو المراد ، فيحمل اللفظ عليه .
والثالث : التوقف والحكم بإجمال اللفظ كما هو المشهور ، فحينئذ لا ريب أنّ النقض به إنّما يتوجه على القول الاوّل ، دون الأخيرين ، لعدم تبادر المعنى المجازي حتى يرد النقض به . فنقول حينئذ : إن الجواب على القول الأوّل أيضاً وفاقاً للمحقق القمي قدس سره ، أنّ التبادر هنا ناشىء من الغلبة ، لا من جوهر اللّفظ بحيث لو قطع النظر عنها لا يتبادر المجاز أصلا (١) .
ثم إنّ صاحب الفصول قدس سره ضعّف ما ذكره المحقق القمي قدس سره من الجواب المذكور ، بأنّ التبادر في المنقول أيضاً قد يستند إلى ملاحظة الشهرة وعدل إلى جواب آخر (٢) .
وحاصله : أنّ التبادر الّذي هو علامة للوضع هو التبادر الابتدائي الذي لم يلاحظ المتكلم في استعمال اللفظ المحصل له الآثار البديعية المقصودة من المجاز ، والتبادر في المجاز المشهور ليس كذلك ، لأنه من حيث كونه متفرعا على معنى آخر ملحوظا فيه الآثار البديعية كالبلاغة ، والمبالغة ، وغيرهما ، مِمّا يبنى على ملاحظة المعنى الحقيقي ولو إجمالا .
وفي كلّ من وجه التضعيف ، والجواب الذي اختاره نظر :
أمّا الأوّل : فلأنه إن كان المراد بالشهرة هو نفسها ، فيرد عليه أنّه مع وجود الوضع ، وتحقّقه في المنقول كيف يتصور الاحتياج إلى ملاحظة الشهرة ، فإن العلم بالوضع بنفسه علّة تامّة لتبادر المعنى ، ولا يكون معه لشيء آخر مدخلية لا شرطاً ولا شطراً .
وإن كان المراد بالشهرة هي الاستعمالات المؤدية إلى النقل التي هي سبب الوضع ، نظراً إلى أنّ الانتقال إلى المعلول الذي هو الوضع ، يستلزم الانتقال إلى العلة التي هي تلك الاستعمالات .
___________________________
(١) القوانين : ١٧ .
(٢) الفصول : ٣٣ .