بما هي قطعاً ، بل لا بد أنّ يراد تلك الطّبيعة بملاحظة وجودها الخارجي ـ الراجع إلى وجود الأفراد ـ فيؤول الأمر بالأَخَرة إلى إرادة الفرد ، وهي لما كانت قابلة لارادتها في ضمن جميع الأفراد ، أو في ضمن بعضها الخاص ، فيكون المراد مجملاً ، فيسقط اللفظ عن الظّهور ، ويصير مجملاً ، كالمشترك ، فلا بدّ من قرينة معيّنة ، فاللّفظ عند الإطلاق لا ظهور له في الطّبيعة ـ من حيث هي ـ حتّى يسرع ذهن السامع إليها ، ثم ينتقل بواسطة القرينة إلى الفرد .
أقول : فيه منع كون وقوعه في حيّز الطلب موجباً لإجماله ، مع الاعتراف بوضعه للطّبيعة ـ بما هي ـ لإمكان طلبها من حيث هي ، لكونها مقدورة بتوسّط الأفراد ، فعلى هذا التقدير فالأفراد لا حاجة إلى ملاحظتها في الطّلب ، بل هي من مقدّمات امتثال المكلف ، فإذا كان هذا الاحتمال قابلاً للإرادة ، فاحتمال ملاحظة الخصوصية ـ في الطبيعة ـ لا يوجب سقوط اللّفظ عن ظاهره ، فيكون ظاهراً في الطّبيعة ، فيحصل الانتقال عند قيام القرينة على خصوص الفرد .
نعم يمكن توجيه المنع : بأنّ فائدة الاستعمال المجازي إنما هي حصول الحركة والانتقال ، وهي حاصلة من الاستعمال على غير هذا الوجه أيضاً ، بأن يستعمل اللّفظ في الطبيعة واُريد الخصوصية من الخارج من باب دالين ومدلولين ، ومطلوب واحد ، فإنّ القرينة على تعيين المراد لازمة على التقديرين عند إرادة الخصوصية ، فلا حاجة إلى الاستعمال المجازي .
فإن قيل : إنّ للاستعمال المجازي فائدة اُخرى ، وهي ملاحظة العلاقة والمناسبة بين المعنيين ، فتكون مائزة بين استعمال العالم وبين استعمال العامي المبتذل ، كما ذكرها السيد بحر العلوم (١) في وجه جواز استعمال المشترك في أحد معانيه مجازاً .
قلت : إنّ ملاحظة العلاقة ليست من الفوائد ، بل هي كلفة زائدة لا بد من ارتكابها في الاستعمال المجازي ، ليصحّ الاستعمال هذا ، مع أنّ المقصود بالمجاز هي الفوائد التي ينتقل إليها السامع عند الاستعمال ، ولا ريب أنّه لا يطلع على ما ذكر إلّا بعد
___________________________
(١) شرح الوافية للسيّد بحر العلوم : « المخطوط » في مبحث الوضع في أوّل كتابه ، وإليك لفظه : ثم لا يخفى أنّه ربما يستعمل اللّفظ المشترك في اصطلاح به التّخاطب في أحد معانيه ، لأجل العلاقة بينه وبين معنى آخر منها لا لكونه موضوعاً له لقصد البلاغة والتجنّب عن استعمال الكلام العامي المبتذل ، ولا ريب في مجازيّة هذا الاستعمال مع صدق حدّ الحقيقة عليه ، لكونه مستعملاً فيما وضع له في اصطلاح به التخاطب فيَنتقض به الحدّان طرداً وعكساً .